بعضها مهدّد بالإنقراض والحفاظ عليها ضروري
“إما أنا وإما هي في المنزل”. صرخة أطلقتها والدته بعدما رأته حاملاً أفعى أثناء دخوله بها إلى المنزل، لكنها “ما لبثت أن أصبحت تحبها كما تحبني”، يؤكد الشاب رامي خشاب الشغوف بجمع الافاعي منذ طفولته، والتي تتخذ من غرفة نومه السابقة مقراً موقتاً، حيث تتلقى العلاج والإهتمام اللازمين إلى حين تصبح جاهزة للعودة مجدداً إلى الطبيعة و”البرية”.
“إما أنا وإما هي في المنزل”. صرخة أطلقتها والدته بعدما رأته حاملاً أفعى أثناء دخوله بها إلى المنزل، لكنها “ما لبثت أن أصبحت تحبها كما تحبني”، يؤكد الشاب رامي خشاب الشغوف بجمع الافاعي منذ طفولته، والتي تتخذ من غرفة نومه السابقة مقراً موقتاً، حيث تتلقى العلاج والإهتمام اللازمين إلى حين تصبح جاهزة للعودة مجدداً إلى الطبيعة و”البرية”.
يطمئنك إبن بلدة المنصوري الجنوبية عند سماعك “فحيح الأفاعي” خلال زيارتك الفضولية الى منزله، أمام هول المشهد بأن لا داعي للخوف أو القلق إذا ما اقتربت منها، خصوصاً الدفاعية منها، فهذه لغة الإنذار الخاصة بها لمن يقتحم مساحتها أو مكانها، مشدداً على أهمية نوعيها السام وغير السام في التنوع البيولوجي في لبنان، مبدياً أسفه حيال لغة القتل السائدة حيالها في معظم المناطق اللبنانية.
“مَن منها بصحة جيدة ستستعيد حريتها في البرية بعيداً من الناس بنوعيها السام وغير السام بمجرد أن ندخل في فصل الصيف، أما البرية منها،غير اللبنانية فعددها ثلاث وسأبقى محتفظاً بها للتوعية بها في المدارس والجامعات والجمعيات البيئية، وهي من ضمن مجموعة زواحف يصل عددها إلى ثمانٍ، نجحت بالحصول عليها بعدما كانت تعاني وضعاً سيئاً عند من كانت بحوزته أو تخلى عنها البعض بإرادته، فيما المحلية تزداد وتتناقص عندي، لأن احتفاظي بها موقت”، يقول خشاب في حديثٍ لـ”نداء الوطن”، مشدداً على أنه لم يعد من مربي الأفاعي، ولا يشجع اللبنانيين على تربية الافاعي في المنازل، لأن معظمهم لا يستندون إلى الأبحاث والدراسات المتعلقة بالأفاعي، وفي النهاية تمرض الأفعى وتموت عندهم من دون أن يعرفوا السبب.
من منا لم يشاهد حية تزحف في الحديقة أو في “البرية ” أو في أحد البساتين، ولم يفكر بملاحقتها بهدف قتلها ومن دون أن يميز إن كانت مؤذية أم لا؟ وهل فعلاً القتل هو الطريقة الأنسب لتجنب لدغتها؟
عالم جدير بالإكتشاف
على الرغم من المخاطر والتعقيدات التي تحيط بعالم الأفاعي، فإن هذا العالم الذي لا يزال مجهولاً لشريحة كبيرة من اللبنانيين، بدليل الفكرة السلبية التي تصل الى العدائية تجاهها منذ عشرات السنين، فعالمها الحقيقي هو عالمٌ مليءٌ بالقصص المثيرة للفضول، وجديرٌ بالعمل على استكشافه، لكننا حتى اليوم لم نعط أنفُسنا الفرصة والوقت الكافيين للوقوف عند تفاصيل هذه الحقائق، وهذا ما يعملُ عليه خشاب ومجموعة من أصدقائه من خلال جمعية “ليبانيز وايلدلايف”، التي أسسها بهدف نشر التوعية بين الناس عن أهميّة التنوّع البيولوجي في لبنان، والإهتمام بحماية الحياة البرية، وإنقاذ الحيوانات البرية من القتل والإستغلال وإعادتها الى الطبيعة، لأن بعضها بات مهدداً بالإنقراض ومن بينها الحيات والأفاعي والثعابين، وشرح طرق التعامل مع كل نوع منها، فضلاً عن إنقاذها عشرات الثعالب وبنات آوى والذئاب والضباع، ومداواتها الكثير من الطيور الجارحة الجريحة برصاص الصيادين.
السمّ للإفتراس وليس ضد البشر
وحول الخطر المحدق بها يُشدد الباحث في علم الزواحف والبرمائيات ومدير متحف التاريخ الطبيعي في الجامعة الاميركية، الدكتور رياض صادق، على ضرورة التمييز بين الحيّات وهي غير سامة، وإجمالاً كل الحيات الضخمة غير سامة، والثعابين (وهي الطويلة والنحيفة) وهي غير سامة أيضاً، وثالثاً الأفاعي وهي السامة وتسمى علمياً “vipers”، وتتميز بأنها غير طويلة ونحيفة وذنبها قصير، ورأسها كبير وشبه مثلث والبؤبؤ طويل عامودياً وغير مستدير، وهذا من خواص الحياة الليلية؛ كما وتتميز الأفعى السامة بأنياب متحركة في مقدمة فمها لحقن السم، وليس لدى الحيات غير السامة أنياب مثلها…، متوقفاً عند الفارق بين كلمة “سامة” مقابل “خطرة”، لأنه من الممكن أن تكون سامة بهدف الإفتراس وليس بهدف الدفاع، وبالتالي لا تستعمله ضد البشر.
3 أنواع سامة من أصل 30 في لبنان
وبالنسبة للبشر، يشير صادق إلى أن خطورة السم هي على الأطفال، ولكن لا يعني أبداً الموت الحتمي كما يتوهم البعض، إذ إن احتمالات العلاج والنجاة تبقى عالية، وفي لبنان كما عالميا 10% من الأفاعي تشكل خطراً على البشر و90% غير سامة، وبشكل أدق لدينا 3 أنواع خطرة من الافاعي تعتبر سامة، أحدها يعيش في أعالي الجبال وبعيد عن المناطق المأهولة، من أصل حوالى 30 نوعاً موجودة في محيطنا الريفي غالباً، مستدركاً “هذا يعني أن كل الأنواع في لبنان تقريباً غير سامة وغير مؤذية، لكن للأسف لا يمكن لوم اللبنانيين لأنهم لا يعلمون”.
داخل “غرفة العناية والإهتمام ” بالأفاعي يستوقفك الكثير من أنواع الأفاعي منها اللبنانية والسورية والفلسطينية، تختلف أسماؤها بحسب كل بلد، وتعكس التنوع البيولوجي في لبنان، وهذا جانب واحد من الحقائق المتعلقة بها والتي يحرص خشاب وأصدقاؤه في جمعية “ليبانيز وايلد لايف” على إيضاحه، عبر الندوات الدورية للبنانيين بغض النظر عن طوائفهم وأعمارهم ومناطقهم، لعلهم يغيرون سلوكهم تجاهها، ومن بين هذه الأنواع: أفعى الجبل اللبنانية (Lebanon mountain viper) المهدّدة بسبب انحسار المساحات الجبلية التي تعيش فيها، وأفعى فلسطين (Palestinian Viper) والتي يخلط الناس بينها وبين أفعى عقدة الجوز المحلية الشهيرة، والأفعى البيضاء الشامية (Blunt nosed viper)، وأفعى الفئران (Eastern Montpellier snake)، فيما تشكل سحلية “أبو قرع” (sheltopusik) مثالاً على هذا التنوع، واللبنانيون يخلطون بينها وبين الأفاعي، لأنها لا تملك أقداماً وتشبه الأفاعي الضخمة.
دور فعّال في التوازن البيئي
ويعرب خشاب عن أسفه لأن اللبنانيين لا يزالون يفتخرون بقتل الأفاعي، واصفاً ذلك بـ”التصرف الخاطئ” معتبراً أن الافعى “حيوان مضطهد”، وغير مؤذ، ويلعب دوراً مهماً، “فهي تؤمن التوازن البيئي بشكل كبير، بفعل قدرتها على التحكم بنسبة القوارض في الكثير من المناطق اللبنانية، فالكبيرة منها تأكل الفئران والجرذان والطيور وزواحف أخرى؛ وهي بذلك تخفف من أعدادها وقادرة على دخول جحورها”.
بدوره يوضح صادق: “السامة تخرج في الليل وغير السامة تخرج في النهار، ومن الامورالشائعة أنه أثناء الحر الشديد تخرج الافاعي، لكنها في الحقيقة تختبئ لأنها تكره الحرارة المرتفعة، وبشكلٍ عام تخرج في الربيع والصيف وتختبئ في الخريف والشتاء وتدخل في حالة سبات”، لافتاً إلى أنها تنجذب خلال النهار حيال البيئة غير النظيفة، خصوصاً النفايات التي تجذب القوارض، والقوارض تجذب الافاعي، لذلك علينا المحافظة على نظافة بيتنا ومحيطنا، وعادةً إذا ما رأت الافعى الانسان تهرب منه وتتجنبه، ولا تتقصد إلحاق الأذى به، مذكراً بالمعاناة التي حصلت في العديد من المناطق البقاعية منذ سنوات قليلة جراء ظاهرة قتل “الحنش الأسود”، ما سبب ارتفاعاً بنسبة القوارض وانتشار الفئران والجرذان بأعدادٍ كبيرة.