حفلت وسائل التواصل الاجتماعي في اعقاب التضامن الواسع الذي حظيت به باريس على أثر العمليات الارهابية التي استهدفتها يوم الجمعة الماضي في 13 الجاري برسائل ومواقف لم تخف انزعاجاً لبنانياً شعبياً من عدم تضامن دولي مماثل مع لبنان على رغم استهدافه بتفجيرين ارهابيين قبل يوم واحد من التطورات المأسوية في العاصمة الفرنسية. فقياساً على حجم البلد وعدد السكان فان تفجيري برج البراجنة أكبر اتساعاً وتأثيراً من تلك التي حصلت في فرنسا وربما كان مرّ هذان التفجيران بالاستنكارات والادانات المعهودة من دون أن يحظيا بأي اشارة اضافية لولا ان تزامنهما وضعهما على لائحة المواقف الدولية التي تحدثت عن الارهاب في الايام التي تلت. رغب كثر باحاطة دولية للبنان كما حصل مع فرنسا او بتعاطف شعبي مماثل مع الاقرار بأن اسقاط الطائرة الروسية في سيناء نهاية الشهر المنصرم لم تثر تعاطفاً مماثلاً أيضاً ما ازعج الرئاسة الروسية أيضاً وقد غلب التعاطي مع اسقاط الطائرة على انها من الأضرار الجانبية لانخراط روسيا مباشرة دعما للنظام السوري.
بعض السياسيين في لبنان طالبوا وعن حق وفق ما أجمعت عليه أوساط سياسية عدة باجتماع طارىء للحكومة استنادا الى معادلة بسيطة مفادها ان بلداً لا يعبر عبر آلياته الدستورية عن طابع الخطورة التي تتهدد البلد لا يمكنه في اي حال ان يعتب على الآخرين لغياب تضامنهم. فهذا أقل الايمان. اذ لم توفر السلطات الفرنسية وسيلة أو اجتماعاً لم تعقده من أجل مواكبة المرحلة الخطيرة التي دخلتها باريس عبر التفجيرات الاخيرة التي استهدفتها. ومع ان القوى الامنية في لبنان تحركت وأحرزت نجاحاً سريعاً ومهماً في كشف الشبكة وراء التفجيرين في برج البراجنة كما ان الأفرقاء السياسيين أبدوا ادانتهم الشديدة وتضامنهم مع أهالي المنطقة، فإن ذلك لا يمكن اعتماده وحده وسيلة لتحفيز الخارج على التضامن مع لبنان. فغياب أي اجتماع طارئ للحكومة كان يجب الضغط من اجل عقده يسلط الضوء على الانقسامات السياسية التي تعتبر في نظر مراقبين كثر ثغرة ينفذ منها المخربون من أجل التسبب بأضرار للبنان. فإذا كان التفجيران الأخيران لم يستدعيا حالاً طارئة تستدعي جلسة فورية لمجلس الوزراء تبحث مجموعة من الخطوات والاجراءات الواجب اتخاذها امنيا برعاية وغطاء سياسيين شاملين وتظهر تضامنا للبنان مع نفسه على الاقل كما تشكل دافعا للخروج من حال الاستنقاع والشلل السياسيين المستمرين منذ اكثر من سنة ونصف السنة، واذا كان لبنان يعيش منذ ثلاثة اشهر ازمة نفايات متفشية بين المنازل وتلحق أضراراً بالجميع ولا تجد قوى سياسية ضرورة لأن تعقد جلسة وحيدة لمجلس الوزراء من أجل الاتفاق على سبل انقاذ اللبنانيين من سلبياتها الكثيرة، فلعل ذلك لا يستدعي تضامناً مع لبنان بالقدر الذي طمح اليه اللبنانيون بعدما سلط التضامن الدولي مع باريس الضوء على مدى ضعفه.
لا يمكن مقارنة السعي الفرنسي الرسمي الى خطة شاملة في مواجهة الارهاب التي تعرضت له العاصمة الفرنسية على صعد عدة من خلال تكثيف الضربات الجوية ضد مواقع تنظيم الدولة الاسلامية أو تحفيز الدول الاوروبية على اجراءات مراقبة صارمة على مستويات مختلفة أو كذلك السعي الى تحالف واحد ضد مواقع داعش في سوريا بقدرات لبنان المشلول دستورياً وسياسياً. لكن غالبية اللبنانيين تطمح الى نذر يسير من هذا الاستنفار الذي ابدته السلطات الفرنسية في وجه ما واجهته. إلاّ أن ثمة سياسة شاملة يمكن البناء عليها تبعاً للتفجيرات التي يواجهها لبنان مرة بعد مرة ويدفع اثمانها من دم ابنائه في حين يبدو ان هناك استسلاماً لها على وقع انها من تداعيات الحرب السورية وما دامت هذه الحرب مستمرة فينبغي ان يعيش لبنان على وقعها. وهذه السياسة، نجح لبنان في استنفار الدول الخارجية لدعمه ازاء بعض أوجهها أي مواجهة الارهاب في الأعوام القليلة الماضية ومساعدته نسبيا في موضوع اللاجئين السوريين، لكنها لا تظل فاعلة بقوة من أجل تحفيز التضامن والدعم في اتجاهات متعددة يشكو منها لبنان اصلا من بينها وفق ما يرى بعض السياسيين عدم قدرته على انجاز استحقاقاته الدستورية ربطا بمواقف اقليمية تبقي هذه الاستحقاقات رهناً لتطورات في المنطقة ومصالحها فيها. ومن المهم تسليط الضوء على ان استمرار الفراغ الدستوري يترك البلد مشرعاً على الأخطار.
يتيح التفجيران الأخيران أيضاً إعادة تسليط الضوء وبقوة أكبر على استكمال مساعدة لبنان للتصدي للتهديدات الارهابية من جهة عبر مساعدة قواته الأمنية كما من أجل الحصول على دعم اضافي في موضوع اللاجئين من جهة أخرى. وهذا يحتاج بدوره الى حكومة يتفق أفرقاؤها على اتخاذ مواقف والسعي الى خطوات محددة على كل هذه الصعد.
ومع انعقاد جلسة جديدة أولى للحوار على اثر التفجيرين الارهابيين والتعويل على المناخ الايجابي الذي تشيعه من دون القدرة على الذهاب فعلاً الى تفعيل المؤسسات مثلاً من دون المبادرة الى ذلك عملياً، فإنه قد يكون متعذراً على اللبنانيين الحصول على ما يطلبونه فعلاً من دعم وتضامن ويتعين عليهم ربما تخفيض سقف طموحاتهم.