فيما نخشى أن يغدو لأزمة الفراغ الرئاسي ايضاً “ذكرى” سنوية دورية مع اقتراب سنة كاملة على بدء المهلة الدستورية في ٢٥ آذار الحالي تستوقفنا بعض الادبيات في الخطاب السياسي للأزمة الذي بات في معظمه اشبه بنمطيات جامدة يراد لها تبرير الانسداد المعتق امام اي أفق للحل. ذلك ان مواقف بعض الزعماء في رفضهم المرشحين “التوافقيين”، والتي لا تزال تدور على نفسها في حلقة تبرير العجز او التعطيل بحجة التمترس عند معيار المرشح “القوي”، تذكر من لم يغش ذاكرته غبار النسيان بخطاب طغى في الحقبة التي سبقت التوصل الى اتفاق الطائف. في ذاك الزمن نشأت ادبيات سياسية راحت تعلل الاتجاهات التي أدت الى انتزاع الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية على ما كانت عليه في دستور جمهورية ١٩٤٣ بأنها ردة فعل بديهية على عهود “الاستئثار” التي كان آخرها عهد الرئيس أمين الجميل، بل ان تلك التبريرات تطورت لاحقاً لتدرج الانتقاص اللاحق بصلاحيات الرئاسة في الطائف بأنها ردة فعل على عهد الجميل ومن بعده “عهد” رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية العماد ميشال عون تحديداً سواء بسواء.
لا ندرج هذه الواقعة المثبتة هنا في مجال مناقشة صحة تلك الاتجاهات من عدمها بل للتدليل على مغزى تصاعد اتجاه من شأنه ان يؤدي الى تكريس نتائج سياسية قد تأسر أصحابها وترتب عليهم التنبه لإمكان هبوب رياح غير مؤاتية في لحظة غير محسوبة. اذ ان سنة من أزمة الفراغ الرئاسي عملياً، ولو ان عدادها الرسمي يحتسب من نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، سيؤدي آجلا ام عاجلا الى وقوع اصحاب الفيتو على مرشحي الفئة الأخرى من غير الزعماء السياسيين الأقطاب المعروفين في أزمة من نوع مختلف ما لم يتحسّبوا للنزول من رأس الشجرة بسلم متدرج مرن نحو القبول بدور عرّابي الرئيس متى استحال الخيار الاول. ولا يبدو من الحكمة اطلاقاً التمترس وراء شعار رفض المرشح “الثالث” من خارج فريقي ٨ آذار و١٤ آذار من موقع الرفض لتجربة عهد سابق فيما كان يجري حتى الامس القريب، مثلا ابتداع مفهوم هجين للتوافقية يراد له ان يواكب حملة التبشير بالمرشح القوي، ولم نر لا قويا ولا ضعيفا ولا ما بينهما. وإذا كانت حقبة الحرب أوجدت تبريرات لإضعاف صلاحيات الرئيس ولم تهضم حتى اليوم، فربما يتعين التمهل في نهج المحاكمات المسبقة و”القواص على الطائر” على ايدي “سوبر مرشحين” على مبدأ ارتضاء مرشحين توافقيين محتملين تجنبا لفائض تداعيات قد يصبح ردها صعبا جداً على أصحابها وعلى الرئاسة المستنزفة ايضاً، خصوصاً اذا هبت رياح لا تشتهيها بعض السفن الموغلة في المبالغات.