IMLebanon

حتى لا يكون لبنان، شهيد التصرفات الطائشة

توقع اللبنانيون نتائج سلبية عديدة ناتجة عن الخلافات الحادة التي نشبت في المرحلة الزمنية الحالية التي انقلب كثير من ايجابياتها المتمثلة في كثير من الإنجازات التي حققتها سياسة الحد الأدنى من التوافق والتفاهم والمسيرة الحكيمة التي يتبعها أركان العهد الحالي وأثمرت في أغلب الحالات عن نتائج يمكن وصفها عموما، ومع تجاوزٍ لبعض تفاصيلها المؤسفة، بالنتائج الإيجابية، ولكننا ومع الأسف، نشهد في هذه الايام تطورات حافلة بعناصر تفجيرية تكاد أن تلقي بالبلاد في مهاوي النزاعات التي سبق أن شهدها هذا الوطن المنكوب. لم يكن أحد ليتصور ذلك الإنحدار السلوكي الذي وصل إليه وزير خارجيتنا الذي يشغل منصبا وزاريا لطالما شغله كبار الحكماء اللبنانيون الذين برز الكثيرون منهم عالميا وهم يرفعون إسم لبنان من خلال نشاطاتهم وانجازاتهم على مستوى المؤسسات الأممية الدولية، وها نحن اليوم أمام وزير خارجية ينتمي إلى صنف الشباب المتحمس (ولا نعطي لمعاليه أية صفة أخرى حتى لا نتهم بما اتهم به) يذهب إلى موقع وتصرف واجهه الرئيس بري بتوصيف شديد القساوة، وإن كان في الوقت نفسه توصيفا لا يتماشى مع حجم ما وقع فيه «الوزير الشاب» في ما أقدم عليه من تهجّم غير مقبول على مستويات التصنيف كافة، فالرئيس بري رئيس للسلطة التشريعية كائنا ما كان رأي معالي الوزير فيه، وهو في عمر متقدم، تعوّدنا نحن اللبنانيين «ومعنا جموع المهذبين في العالم كله»، على التعامل مع أمثاله بأقصى حدود الإحترام، كائنا ما كان موقفنا من سياسته العامة، علما بأن التاريخ السياسي لهذا الرئيس والأدوار الإيجابية العديدة التي لعبها على مرّ التاريخ اللبناني الحديث توجب على أصحاب «الحماس الزائد»، التحلّي بكثير من الوعي والتنبه قبل إطلاق أمثال التعبير الوصفي المؤسف الذي أطلقه الوزير باسيل على رئيس المجلس التشريعي مشفوعا بالتهديد بتكسير الرؤوس خاصة وأنه قد حصل في وقت حافل بالأزمات والإحتقانات، الأمر الذي كاد أن يعيد البلاد إلى مواقع الجحيم الحاد الذي سبق أن مرت به، هناك من اللبنانيين من قدم تضحيات كبرى لنتخلص من رواسبه وقبلوا بما كان لا يمكنهم القبول به للخروج من ذلك النفق المظلم الذي أوقع جميع اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، في لُجج ظلامه ومآسيه، وفي طليعة هؤلاء الرئيس سعد الحريري الذي ما إن أطلق مساعيه واهتماماته العملية، في كل صوب واتجاه (سياسي – اقتصادي – اجتماعي – مؤسساتي… إلخ) حتى كاد أن يكون مجبرا على تحويل معظم أدواره إلى موقع «شيخ الصلح» المتوجه بكليته تقريبا إلى إطفاء الحرائق ولملمة الخلافات ومنع اللبنانيين من السقوط في الهاوية حيث يصعب الخروج منها وإيجاد منافذ للإنقاذ والخلاص في أي من زواياها، حتى لنكاد نسمعه وهو يشكو همومه للّه الواحد الأحد متسائلا وسط معاناة ذاتية قاسية: أأنا المصلح الوحيد لتلقى تبعات الإصلاح على كتفيا؟!

غريب أمر هذا الوزير الذي لا يتواجد في مكان في الداخل أو في الخارج، إلاّ يخلق وجوده إشكالا يؤدي إلى جملة من الإشكالات للدولة والحكومة، أسهمت في تغطيس لبنان واللبنانيين في جملة من المعضلات والمصائب التي تناولت الوجود اللبناني الواسع على امتداد العالم العربي، وخاصة منه بلدان الخليج التي لطالما ارتبطت مصالح لبنان الحياتية والمعيشية مع مئات الألوف منهم، أمضوا عمرا يناهز عمر نهوض البلدان الخليجية وتحوّلها إلى بلدان منتجة للبترول، ولكثير من الثروات الطبيعية، مستعينة بالطاقات البشرية اللبنانية المتفوقة، مما أدى بالنتيجة إلى المرحلة الإقتصادية شديدة الصعوبة التي نعاني منها حتى الآن، والتي أضحت في إطار اهتمامات الرئيس الحريري واتجاهه إلى إزكاء وإحياء المؤتمرات الدولية الهادفة إلى انتشال لبنان من صعوباته القائمة التي والحق يقال، أسهم الكثيرون من الساسة اللبنانيين بما تحلّوا به من «نجاح مذهل» في حقلي الفساد والإفساد، في ايصالها إلى ما وصلت إليه، وها هي مستجدات اليومين السالفين التي وضعت البلاد والعباد على مفترق فتنة عصيبة، كادت لو استمرت بما وصلت البلاد إليه خلال أيام معدودة ألاّ تبقي ولا تذر، وأن تسدّ كل منافذ الإنقاذ والخلاص على محاولات الشباب اللبنانيين «الهروب» من بلد قيل فيه: «نيّال مين إلو مرقد عنزة في لبنان» إلى أية بقعة هادئة ومؤمِلّة في هذا العالم الفسيح أملا بحلم وحياة راضية ومستقرة، بعيدة كل البعد عن تصرفات كتلك التي وهبهم أياها الوزير باسيل، فأجزل وتكارم في هباته إلى هذا الحد الناري الذي كاد أن يحرق بيروت وضواحيها، بل هو قد امتد إلى بعض الأماكن الحساسة وصولا في ذلك مؤتمر ابيدجان الذي تبنته وزارة الخارجية، الأمر الذي كاد أن يطفئ نور الأمل لدى مجمل الشعب اللبناني.

كل ما ذكرناه من استنكارات لتصاريح الوزير باسيل «شديدة اللياقة والتهذيب» لا يمنعنا عن إدانة ذلك الانتشار الممنهج والمتنقل في شوارع بيروت بدواليبه المحروقة ورصاصه الذي اقتصر على الهواء (حمداً لله) وهتافاته ذات الشعارات المؤسفة بطائفيتها ومذهبيتها، خاصة منها ما تخصصت بإطلاق أمثاله، وسائل التواصل الإجتماعي، ووصوله زحفا واقتحاما إلى مواقع حزب التيار الوطني الحر، معرضا البلاد والعباد إلى شرارات كان يمكن ان تقابل بالمواقف السياسية والشعبية وبالتصاريح المضادة لكلام الوزير باسيل غير المسؤول، ولكن… هذا هو لبنان، مكتوب عليه أن يعيش وسط الإحتمالات والإندفاعات المؤسفة وغير المحسوبة، والتي بتنا جميعا أمام واجب تنقية البلاد من أجوائها وافتعالاتها بما يضع حدا لجميع احتمالاتها شديدة الخطورة كالتي عشناها قبل يومين، حتى إذا ما تبين لنا أن الهدف من كل ذلك، يقع في خانة التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة أو تأجيلها، فقد حق لنا أن نصيح جميعا: النيابة بكل بهرجتها لا تساوي قطرة دماء واحدة تسيل من جسد أي إنسان، إذا كان هدفها الأساسي تكريس زعامات مستقبلية لبلد بات يفقد مقومات مستقبله.