يقول سفير سابق للبنان لو إن المجتمع الدولي حسم الأزمة السورية منذ نشوئها لما كانت تحوّلت حرب دمار وخراب حجراً وبشراً، ولما كانت عدواها انتقلت إلى عدد من دول المنطقة، ولما كان ظهر الوحش التكفيري المهدد للجميع بما في ذلك دول الشرق والغرب. لكن صراع المحاور بين الدول على اقتسام النفوذ حال دون حسم الأزمة في سوريا وفي كل دولة عربية تدمرها الحروب، وهو صراع جعل روسيا ومعها إيران تساندان النظام في سوريا وتعملان على حمايته من السقوط سواء في مجلس الأمن الدولي أو في ساحة القتال.
والسؤال المطروح هو: هل أخذ المجتمع الدولي يشعر بخطر استمرار الحرب في سوريا ليس على دول المنطقة فحسب إنما على دول العالم المهددة بارهاب لا يميز بين دولة ودولة ولا بين دين ودين ولا بين عرق وعرق، وهل تكون روسيا هي أولى الدول التي تشعر بدنو الخطر منها آخذة في الحسبان احتمال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد فجأة قبل أن يكون قد تمّ اتفاق على قيام نظام بديل فتسود عندئذ الفوضى في سوريا كما هي سائدة في العراق واليمن وليبيا وهي فوضى يفيد منها الارهاب ليضرب في كل مكان، ولا يعود ثمة سبيل للخروج منها إلا بتقسيم يحقق هدف اسرائيل المزمن والذي ترى فيه ما يبرر قيام دولتها اليهودية لتصبح هي الأقوى بين دول المنطقة المذهبية والعرقية، ولا يعود لديها خوف من قيام دولة فلسطينية ليست قابلة للحياة من دونها؟… فهل قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن إحراز بعض التقدم مع أميركا في الملف السوري وأن وجهات النظر باتت متقاربة بينهما مؤشر لقرب التوصل إلى حل في سوريا مع اقتراب نهاية الأسد ومباشرة ترحيل الرعايا الروس من سوريا، والاقتناع بأن لا دور للأسد في مستقبل سوريا، وانه يمكن ضمان مصالح روسيا الحيوية باقامة نظام سوري جديد؟
لا شك في انه إذا صحَّ وجود هذا التقارب، فإن التوصل إلى حل للأزمة السورية سيكون مدخلاً لحل الأزمات التي تعصف بعدد من دول المنطقة، ذلك ان اتفاق الدولتين العظميين على هذا الحل يعني ضمناً الاتفاق على “سايكس – بيكو” جديد يجعل المنطقة تنعم بالأمن والاستقرار والازدهار، كما يجعل حل القضية الفلسطينية من ضمن هذا الحلّ او مدخلاً طبيعياً اليه.
لقد كانت المنطقة قبل التوصل إلى اتفاق “سايكس – بيكو” تعيش وضعاً سياسياً كما تعيش اليوم وضعاً عسكرياً. وترى روسيا أنه بات من مصلحتها التفاهم مع أميركا على اتفاق “سايكس – بيكو” جديد لتقاسم النفوذ لئلا يكون البديل تقسيماً ليس في مصلحتها بل في مصلحة اسرائيل وربما أميركا أيضاً.
لذلك فإن الأشهر القليلة المقبلة قد تكشف عن اي حل سيتم الاتفاق عليه في المنطقة بين الدولتين العظميين بدءاً بسوريا، وهو حل لم يعد يقوم على بقاء الرئيس الأسد في الحكم إنما البحث عن بديل يحفظ مصالح الجميع اقليميين ودوليين، وهو ما يجري البحث عنه خلف الكواليس وقبل أن يسقط نظام الرئيس الاسد فجأة وتعم الفوضى. وعندما تتفق الدولتان الأميركية والروسية، فإن اللقاءات التي يدعى إليها المعارضون والموالون السوريون لا تعود لقاءات لمناقشة الحلول إنما للموافقة على ما تم الاتفاق عليه بين الكبار.
هل باتت روسيا مقتنعة فعلاً بأنه لا حل في سوريا مع بقاء الرئيس الأسد إنما بالاتفاق على بديل منه يحفظ مصالح جميع المعنيين في المنطقة، أم أن انضاج تسوية ليست قريبة كما يرى السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين ما لم تصبح رغبة أميركية – روسية مشتركة تشمل كل الأزمات بما فيها الأزمة الأوكرانية؟ والسؤال الذي تطرحه التطورات المرتقبة هو: هل مطلوب من لبنان انتظار نتائجها بحيث يبقى بلا رئيس مع شبه حكومة وشبه مجلس نواب؟
يجيب السفير نفسه ان هذه التطورات إذا كانت سريعة بحيث تظهر ملامحها مطلع الصيف وفي منتصفه، فان لبنان يستطيع الانتظار لأنه يكون انتظاراً واعداً يمدّه بالقوّة، أما اذا كان البحث عن حلّ في سوريا سيطول الى ما بعد فصل الصيف، فلا بدّ عندئذ من اتفاق أميركي – روسي على حلّ للبنان يمكنه من الانتظار سياسياً وأمنياً واقتصادياً، أو أن يكون اتفاق بين الدولتين العظميين على تحييد لبنان بحيث يأتي رئيس للجمهورية يطبق ذلك ليجعله “سويسرا الشرق” فعلاً لا قولاً.