بعدما نجح التيار الوطني الحر في تحويل مشكلة التعيينات الى قضية شراكة، وعطّل مجلس الوزراء، ثمة خشية من ألّا يتمكن من صرف هذا الإنجاز، فترتدّ القنبلة التي رماها على نفسه
بمفهوم الذين يقومون اليوم بالحملة السياسية لـ»الحفاظ على الدور المسيحي الحقيقي في السلطة والحكم، وعلى الشراكة والمناصفة»، تبدو نسبة نجاح ما تحقق حتى الآن مرتفعة، قياساً بما كان يحصل سابقاً عند اندلاع أي أزمة بين المكونات السياسية.
فالإنجاز الذي ظهر أمس في تعطيل عمل الحكومة بعد تضامن حزب الله مع التيار الوطني الحر، يمكن البناء عليه في استكمال ما بدأ العمل عليه منذ أسابيع قليلة.
لا شك أن المعنيين الحقيقيين بالأزمة يدركون أن خطورة ما يجري اليوم، بعد المواقف والتشنجات الأخيرة، تعدّى مفهوم الخلاف السياسي والأزمة الحكومية العابرة، لأن مصير البلد كله أصبح على كف عفريت، كما حال النظام السياسي ومستقبل العلاقات بين المكونات السياسية والطائفية. هذا أمر يحتاج وحده الى مراجعة دقيقة وإحاطة سياسية إقليمية ودولية للعناية بلبنان، كي لا يتحول مجدداً إلى ساحة للانفلات الأمني.
لكن على مستوى الأزمة التي نشأت أولاً بين التيار الوطني الحر ومعارضيه على خلفية التعيينات العسكرية، وتحولت تدريجاً، إلى قضية على مستوى مسيحي ووطني شبه عام، فإن ثمة مخاوف جدية من المرحلة الآتية، بعدما وصلت المواجهة الى حدها الأقصى بتعطيل عمل مجلس الوزراء وانكشاف كل الأوراق والآراء الحقيقية دفعة واحدة.
ما يحصل اليوم يتعدى الأزمة الحكومية العابرة والخلاف السياسي
ما حصل في مجلس الوزراء من غياب لوزراء حزب الله ووزير تيار المردة، ومشاركة للبعض الآخر، ولا سيما الوزير ميشال فرعون الذي أمن النصاب القانوني، وهو الذي بات محسوباً على ثنائية التيار ــ القوات، ومعروف موقفه المعارض لانعقاد جلسات مجلس الوزراء بغياب وزراء تكتل التغيير والإصلاح والكتائب، سمح بانعقاد الجلسة بطريقة مدروسة، إذ إنه سحب من رئيس الحكومة تمام سلام فتيل التهديد بالاستقالة، ومنع تحويل الأنظار عن الحملة التي يقودها التيار إلى سلام واستقالة حكومته والتداعيات التي ستنجم عنها، محلياً وإقليمياً ودولياً، ما يعني أن خطوة أساسية تحققت، بعدما عقدت الأسبوع الماضي في حضور حزب الله.
هذا في المرحلة الأولى. أما المرحلة المقبلة فتحتاج الى عناية أكبر، وإلى خطوات مدروسة بدقة أكثر، إذا لم يحسن القائمون بالحملة الراهنة ترجمة نجاحهم بورقة اليانصيب الحالية، والاكتفاء بربح جائزة الترضية، لأن ما تحقق يمكن أن يصرف في رصيد الواقع المسيحي في النظام ككل، وعبر إعادة التوازن مرة أولى ونهائية، كما لم يحصل منذ عام 2005 وحتى اليوم. أي أن الإنجاز الراهن سمح، حتى الآن، بتسليط الضوء على كل المواضيع الحساسة، وأظهر مجدداً عمق الأزمة التي تراوح مكانها منذ سنوات. لكن المشكلة تكمن في لحظة تحول دقيقة وحساسة، يخشى منها على هذا الإنجاز، فتعود البازارات السياسية الى الواجهة، وتتراجع القضية من مشكلة مسيحية عامة الى تقاسم المغانم، وإلى اللعب على المستوى الضيق من خلال توزع الحصص والمناصب لإرضاء طرف أو شخص مهما كانت أهميته. فلا يحافظ المعنيون على جوهر المشكلة الأساسية التي اندلعت، بسبب تعيينات، وتحولت إلى قضية شراكة وتعايش، لأن توقيت ما يجري اليوم يسمح بتحقيق خطوة نوعية لمعالجة الخلل الحاصل، ومناقشة كل القضايا الخلافية، فلا تتكرر المواجهة دورياً، فتفقد معناها الحقيقي. لكن الذهاب الى مقايضات على «المستوى الصغير» والضيق، والمفصّل على قياس أشخاص، قد يودي بالفرصة الآنية، التي يراها البعض ذهبية، نهائياً، فيصبح القائمون بالمعركة الحالية مجرد صدى وضجيج فارغ، يجعل القوى السياسية المعارضة لهم لا ترى فيهم سوى أصحاب تهديدات ظرفية تعالج بصفقة من هنا وتسوية من هناك.
والمشكلة الثانية تكمن في ضرورة تحصين «الإنجاز» مسيحياً، فبين موقف القوات اللبنانية الذي يدعم مطالب التيار بالشراكة، من دون أن نسمع أي موقف علني لرئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع من الأزمة الناشئة، وموقف بعض الشخصيات المسيحية في 14 آذار، التي لا ترى في الأزمة إلا الإطار الشخصي المتعلق بموقفها العدائي من العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل، يكمن الخلل والخشية المضاعفة في أن يتضافر الكثير من العناصر التي تجعل هذه المعركة تفقد أهميتها وتدفن في مهدها، ما لم يحتسب لها بدقة من خلال رؤية شاملة وخطة متكاملة وإدارة حقيقية تجعلها على المستوى المطلوب.