IMLebanon

لئلا تخذلوا “الرفاق”!

حتماً كان وقحاً واستفزازياً جدار العزل في ساحة رياض الصلح ولم يخذل الرئيس سلام مجدداً “الناس والاوادم” في قراره إزالة هذا الجدار. ولكن الجدار لم يبلغ وقاحة من دسّ عصابات الشغب التي عاثت تخريباً وانتهاكاً في وسط بيروت حيث لم يصدح صوت لدى الغيارى على منع الفتنة يسمي الزعران بأسمائهم.

مع ذلك ترانا أمام مشهد غرائبي يحمل “فرح الشماتة” لمن لا يزالون على إيمان بأن اشتعال حمى شعبية اعتراضية لبنانية سيؤدي الى إيقاظ شعلة تغيير. طلائع هذا التحول الجاري في يوميات ساحات بيروت تتنفس واقعيا بكل تناقضات لبنان، وأفضل ما يتعين تسليط الأضواء عليه هنا هو الجانب الاجتماعي اكثر من الجوانب السياسية التي من شأنها التعجيل في الإجهاز على نقطة مضيئة. ولذا من المهم جدا ان تغادر الحركة المدنية الناشئة “طلعت ريحتكم” المراهقة الطبيعية في طور الولادة بعدما فوجئت وفوجئنا جميعا بحجم استقطابها الشعبي الواسع العابر للطوائف والطبقات والفئات والمناطق. يبدأ ذلك من حقيقة انها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها استقطاب مماثل خصوصا على خلفية اجتماعية صرفة. هيئة التنسيق النقابية الحالية كانت حققت آخر التجارب المماثلة ولكن تحركها أجهض. الآن يتعرض هذا الوليد الداخل على مسرح التأثير، الذي هو حقل ألغام حقيقي، لفائض احتضان لا يقل خطره عليه من غرف العتم العاملة لوأده في مهده. حين يستقطب التحرك هرماً اجتماعياً بكل فئاته وطبقاته سواء بسواء فهذا يعني ان رمية من غير رام تحققت في بيئة مأزومة مختنقة حتى الذروة بفضائح السياسيين وألاعيبهم وعجزهم وقصورهم وتبعياتهم الخارجية. حين تستحضر الحركة الناشئة الكثير من عصر اليسار وأدبيات “الرفاق” الاجتماعية وحتى خطابهم الذي كاد يندثر وينقرض فهذه علامة صحية بالكامل يجب ألا ينظر إليها من المنظار الخشبي الذي يصنف كل طالع من خارج الاصطفافات المتكلسة الداخلية كأنه وليد مؤامرة.

مع ذلك ثمة الكثير مما يدفع الى الخشية من ان تغدو الفورة الطالعة سبب خذلان متجدد للذين اعاد هذا التحرك نفح روح الرهان فيهم على تغيير داخلي جذري ما لم يمتلك الحريصون فعلا على مضيّه نحو مكاسب جادة القدرة على حمايته. يبدأ ذلك بتواضع الأهداف وتحديدها وحصرها وتجنب الإفراط القاتل في تكبير الحجر أو تحويل التظاهر وحده وسيلة “إدمان” يومي مستهلكة. ان تستفز “الطبقة السياسية” بخطاب شرس ليس إلا القليل المنتظر من أي تحرك احتجاجي وليس الأمر مدعاة لاي استغراب. ولكن ان تضيع اجندة حركة مدنية بين سنابك التوظيف الخبيث المتعدد الجهة والوقوع في وهم “اسقاط النظام” فهنا تماماً تبدأ النهاية الدراماتيكية السريعة جداً.