Site icon IMLebanon

كي لا يسقط الحراك الشعبي

ليس من باب المغالاة أن تسعين بالمئة من الشعب اللبناني مع الحراك الشعبي ومطالبه المحقة. وليس سراً أن غالبية هؤلاء باتت تخشى على هذا الحراك من السقوط والتلاشي أمام المعطيات التي أفرزها هذا التحرك منذ أكثر من شهر. فثمة فرصة أمام اللبنانيين لا يفترض تضييعها من خلال بعض الأخطاء والزلات الفردية التي تستدعي الانتقاد، حتى من معظم القيّمين على هذا الحراك.

من الطبيعي أن تشهد الثورات والحراكات الشعبية بعض التجاوزات، لكنها لا يفترض أن تؤثر في النتيجة على المسار العام ،خاصة إذا كان القيّمون واعين وقادرين على الحل والربط. ومن هنا ثمة ملاحظات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لتقويم هذه المسيرة:

أولاً، ثمة مَن نبّه منذ انطلاق هذه المسيرة الى ضرورة الابتعاد عن استفزاز القوى الأمنية على اختلافها، لأن هذا العنصر الذي يحمل الهراوة في مواجهة الناس هو من هذا الشعب المقهور وطينته وعجينته، وهو يعاني تماماً ما يعانيه المواطن العادي على مختلف الصعد. بل أكثر من ذلك، هو يشعر بالأسى كلما اضطر الى رفع هراوته في وجه أخيه على الجانب الآخر من الشريط الشائك الذي يفصل بينهما.

ثانياً، إن ما ينطبق على القوى الأمنية ينسحب أيضاً على الأحزاب. فليس سراً أن عناصر الأحزاب وجمهورها يشكلان الغالبية المطلقة من الشعب اللبناني، وقد نزل الكثير منهم الى ساحات الحراك وعبروا عن وجعهم كأي مواطن لا ينتمي الى هذه الأحزاب. ولعل من المهمات الكبرى للحراك، استيعاب هذه العناصر وتفهم موقفها ورأيها. فكل عنصر من هذه العناصر يرى في مرجعيته الرمز والعنوان، والمصلحة أيضاً، سواء كان على حق أو على باطل. ومن هنا تبدو عملية استفزاز الحزبيين من خلال التخصيص والشخصنة، عملاً يتصف بقلة الخبرة والوعي والذكاء والحنكة. فليس من عنصر حزبي يستفزه استهداف النظام بشكل عام، وهو الهدف الرئيسي الذي يفترض التركيز عليه في مسيرة التغيير.

ثالثاً، إن التغيير في لبنان ليس تفاحة على شجرة تقطف وتؤكل، بل هو على قاعدة «لو كان الفقر رجلاً لقتلناه واسترحنا». فالتغيير ثقافة طويلة الأمد في بلد كلبنان يعمّه الفساد من رأسه حتى أخمص قدميه، وإن بنسب مختلفة. ومن هنا يبدو الاستعجال في التغيير من باب التسرّع غير المجدي، ما يستدعي من الحراك الشعبي والقيّمين عليه تحديد أهداف مرحلية قصيرة الأمد ومتوسطة وطويلة، والابتعاد عن السقوط في بهرجة الانتصارات الصغيرة التي لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، كالدعوة الى استقالة «المشنوقين» أو محاسبة ضابط من هنا أو وزير من هناك. فالتغيير على مستوى النظام هو الهدف الأسمى، لأن هذا الأخير هو ولادة الأزمات المختلفة منذ الاستقلال.

ليس ما تقدّم من باب الموعظة الحسنة، بل هو من باب الحرص على نجاح هذا الحراك. صحيح أن الشباب هم أداة التغيير وهم الأجدر بقيادته، ولكن لا بأس من الاستفادة دائماً من خبرة «الشيوخ» الذين كابدوا وعانوا في السابق وسقطوا في مطبات يخشى أن يسقط فيها أهل الحراك الحالي. ولعل السقطة الكبرى كانت في إشعال فتيل الحرب الأهلية السيئة الذكر التي أحرقت البلد من دون جدوى.

يبقى أن يرسم الحراك الحالي خطوطاً حمراً لمسيرته. ولعل أهم هذه الخطوط، الحؤول دون نصب متاريس حرب جديدة في البلد، لأن «من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب»… والسلام على مَن اتبع الهدى.