Site icon IMLebanon

حتى لا تبقى الجمهورية بعيدة عن مواطنيها!

 

من مفارقات السياسة اللبنانية إطلاق الماكينات الانتخابية في بلاد الاغتراب، فيما لا يزال التخبّط داخل اللجنة الوزارية المكلفة تطبيق قانون الانتخاب، حيث تتعدد التهم والتراشق ويبقى التعطيل سيّد الموقف، فتتوالى الفضائح وتطفو الصفقات ويتفرّج المواطن على حلقة الفشل المفرغة التي غرقت فيها مؤسسات الدولة وتهدد اليوم العملية الانتخابية برمتها. انطلقت زيارات الزعماء، المسيحيين خاصة، لاستنهاض المغتربين وحثهم على المشاركة «إنقاذا للتوازن الطائفي في الانتخابات»، أي عبر شد العصب الطائفي بالدرجة الاولى… وعلت أصوات الزعامات المسلمة تدعو الجاليات في بلاد الاغتراب لممارسة حقها الوطني بالاقتراع… ولكن يبدو ان في لبنان كما في الخارج، تطفو الطبقة السياسية على غيمة بعيدة عن واقع احتياجات المواطن وتطلعاته.

فالمغترب، الذي يقطعون آلاف الأميال ليصلوا إليه، كان بعيدا بضعة كيلومترات عنهم وقذفوا به الى الهجرة بسبب ارتهان الطبقة السياسية الى قوى إقليمية مما اضاع على لبنان فرصة ذهبية، بعد انتهاء الحرب العبثية، لإعادة بناء الدولة المستقلة والسيادية من جهة، كما اضاع جهود الرئيس الشهيد رفيق الحريري لإعادة الدور الريادي للوطن الصغير واسترجاع قبلة الشرق والغرب الى شواطئه الذهبية الممتدة من العبدة حتى الناقورة، الى ان وقع زلزال الاغتيال عام ٢٠٠٥، فقضي على ما تبقى من أمل بتحقيق الرؤية الاقتصادية التي رسمها رفيق الحريري، وحاول جاهدا تخطي السياسات الكيدية والعراقيل والابتزازات للمضي قدما نحو لبنان، الوطن النهائي لجميع أبنائه.

إن معاناة اللبناني مع دولته التائهة وقيادته الفاشلة هي نفسها، سواء كان مغتربا او مقيما في ربوع الوطن المخطوف! فهذه الطبقة السياسية لا تتذكر جمهورها الا عند الاستحقاقات، ولا تتخذ القرارات الا على مقياس الربح والخسارة، حيث تسقط الدراسات العلمية والهندسة الاقتصادية والمصلحة الوطنية العليا. ولكن ما فات هذه القيادات، التي قطعت المحيطات لتجيّش جمهورها، ان هذا الجمهور ما كان ليهاجر ويطلب سبل الرزق في آخر المعمورة إلا بعد اليأس والقرف الذي اوصلته اليه، وبعدما فقد الشعور بالانتماء الى جمهورية الفساد والصفقات والتلوث والفقر والتخلف، هاربا من الطائفية المقيتة آملا إنقاذ الأجيال القادمة من رمال الانقسامات المذهبية المتحركة، قاصدا دولاً تحترم الانسان لقيمته الانسانية وليس لدينه او عرقه او حتى انتمائه السياسي.

اتركوا المغتربين بسلام ودعوهم يجتهدون ويلمعون أينما حلوا، ينخرطون في أنظمة علمانية بعيدا عن تخلف المذهبية، وارحموا الشباب اللبناني في الخارج من ان تلوثوا فكره النظيف بوحول طائفيتكم المريضة، دعوه يحلق بفضاءات الحضارة والإبداع التي سددتم أفقها بأجنداتكم الخاصة، وبدلا من دعوته للتصويت لاستعادة حقوق طائفة على أخرى، ادعوه ليصوّت لقضية جامعة هي دعم لبنان في محنته، ولكان الأجدى استثمار الطاقات اللبنانية الموجودة في الخارج وخبراتها حتى يتجاوز الوطن أزمته الاقتصادية غير المسبوقة، بدلا من السعي لاستجداء الأصوات الانتخابية حتى تصرف في حسابات شخصية ضيّقة.

إنها مرحلة سباق انتخابي بامتياز، وعلى كل القضايا الحياتية الملحة والاقتصاد المترنح امام الهاوية والمواطن المسلوب الإرادة وأدنى الحقوق… الانتظار! فالأولوية ليست لبناء الدولة ومؤسساتها ولا وقف الهدر ومحاسبة الفساد… الهمّ الأكبر اليوم هو شد العصب الطائفي، مع انتخابات أو من دونها، مع بطاقة ممغنطة أو مكتوبة. ولو خطر ببال وزير الخارجية، على سبيل المثال لا الحصر، خلال جولته الانتخابية في بلاد الاغتراب، ان يلامس فكرة تطوير مكننة مؤسسات الدولة، خاصة مع القنصليات ليخفف من معاناة المغترب مع البيروقراطية وتسهيل مشاركته البناءة في الوطن من خلال مؤسساته، لكان اصاب عصفورين بحجر وكسب أصواتا لبنانية بالجملة وليس طائفية بالتقسيط !