Site icon IMLebanon

لئلّا يستغرق خروج النازحين السوريين أجيالاً!

 

 

في الأشهر الأخيرة، كثّف الأمن العام اللبناني جهوده لتفعيل المسار المعاكس في ملف النازحين السوريين، أي مسار العودة إلى سوريا. وهكذا، فالأمن العام هو المرجعيّة الوحيدة التي تقود الملف نحو خطوات تنفيذية، ولو كانت متواضعة في بداياتها، فيما يغرق السياسيون في السجالات التي لا تخلو من المصالح الفئوية أو الشخصية.

في تقدير القيّمين على الملف أنّ الوتيرة التي بدأت قبل أشهر بعودة عشرات النازحين أو المئات تتحوّل تدريجاً إلى الآلاف. ويقول هؤلاء: في أيّ حال، إنّ النازحين الذين دخلوا إلى لبنان على مدى 7 سنوات، وفي شكل تدفّق يومي، حتى تجاوزوا المليون ونصف المليون، لا يمكن أن يعودوا بـ»كبسة زرّ»، وبين ليلة وضحاها. والمطلوب هو الصبر في هذا المجال.

بدأ مسار العودة، ولو «بالقطّارة»، في العام الفائت، عندما خرج بضع مئات من النازحين السوريين من عرسال التي احتضنت أكثر من 100 ألف سوري فيما عدد سكانها اللبنانيين لا يتجاوز الـ60 ألفاً. وبعد ذلك، جرت فصول مماثلة. وعلى مدى الشهر الفائت، جرت عودة طوعية لأعداد من النازحين.

وخلال الأسبوع الجاري، نقلت الباصات أعداداً أخرى من مناطق لبنانية مختلفة، إلى سوريا. وقد نسّق العائدون هذه العملية مع «حزب الله» الذي تولّى تسهيلها لدى المراجع الرسمية.

طبعاً، يؤكد المعنيون بالملف أنّ هذه الدفعات من العائدين هي جزء من عملية العودة الشاملة التي انطلقت ويجب توفير الأرضية لها. ولكنّ البعض يحذّر من إمكان دخول نازحين جدد إلى لبنان سرّاً، من خلال معابر غير شرعية. وكانت السلطات الرسمية قد أوقفت، قبل فترة، أشخاصاً يقومون بتهريب السوريين إلى لبنان من خلال هذه المعابر مقابل تقاضي الأموال غير الشرعية.

وانطلاقاً من هذا التخوّف، يخشى البعض- على رغم النّيات الطيبة والجهود البنّاءة- أن لا تصل مسيرة العودة إلى إنهاء الملف تماماً. فهناك مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان، والبعض يقول أكثر. وفي بعض أوساط 14 آذار أسئلة عمّا إذا كان بعض القوى السياسية يريد تحريك الملف فقط من أجل تبرير الانفتاح بين بيروت ودمشق في الحكومة العتيدة.

وفي أيّ حال، الانفتاح على دمشق هو ما ينصح به الراعي الروسي لمبادرة عودة النازحين، وقد تبلّغه الجانب اللبناني بوضوح. وفي المفاوضات لتأليف الحكومة، يعبّر فريق 8 آذار عن رغبته في أن يكون وزير الدولة لشؤون النازحين ووزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة الجديدة على استعداد لمدّ جسور الاتصال مع دمشق وزيارتها لمعالجة ملف النازحين.

وليس سرّاً أنّ في داخل فريق 14 آذار، بعض الذين باتوا يوافقون على التنسيق مع دمشق إذا كان سيؤدي إلى إنهاء أزمة النازحين ومخاطرها على الكيان اللبناني. وهذا ما يثير خلافاً داخل الفريق حول طريقة التعاطي مع الملف.

وهذا الخلاف لا يتركّز على مبدأ الاتصال بدمشق تحديداً، بمقدار ما يتركّز على جدوى الاتصال. فالمتشدّدون يرون أنّ الجانب السوري سيستفيد سياسياً من الانفتاح مع لبنان، ولكن، ليس مضموناً أن يقدّم حلولاً في الملف. ويرى هؤلاء أنّ الأجدى هو أن تتولّى الأمم المتحدة وقوى دولية ترتيب هذا الأمر، وتأخذه على عاتقها ومسؤوليتها.

لكنّ المأزق هو البلبلة القائمة بين لبنان الرسمي ومؤسسات الأمم المتحدة حول النازحين. فلدى الجانب اللبناني شبهات بوجود ضغوط دولية واضحة لتطبيع إقامة النازحين في لبنان ودول أخرى. ويتمّ الاشتراط على لبنان بقبول هذا التطبيع إذا كان يريد دعماً اقتصادياً من المجتمع الدولي لمواجهة أزمة يشتدّ عليه خناقها.

وفيما تتعثّر المبادرة الروسية لعودة النازحين وتغلب عليها حالياً أولوية موسكو في حسم ملف إدلب، سيكون التحدّي أمام الأمن العام اللبناني هو تحريك الملف بقوة، على رغم التأزّم السياسي، ومنع دخول الأعداد الجديدة من خلال المعابر غير الشرعية.

بالأرقام والوقائع، من أصل سكان سوريا الـ 24 مليوناً، نزح نحو 14 مليوناً: 8 ملايين في الداخل، و6 ملايين إلى الخارج، بينهم نحو المليون ونصف المليون في لبنان، ويصبحون مليونين بين نازحين فعلاً وعمال ومقيمين. وقد يؤدي انطلاق عملية إدلب- التي تضمّ نحو 4 ملايين من أهلها والنازحين إليها- إلى خروج قسم كبير من هؤلاء فيتوزعون على دول الجوار، ولا سيما منها تركيا الأقرب جغرافياً الى إدلب.

وعلى الأرجح، سيمرّر الأتراك قسماً كبيراً من النازحين إلى أوروبا. وهذا أمر يُرعِب الأوروبيين ويشكل دافعاً لهم الى معارضة انطلاق العملية العسكرية… وإلّا فإنهم يفضلون استمرار أسلوب «الرشاوى» لتركيا ولبنان والأردن، مقابل الاحتفاظ بالنازحين. ومؤتمر بروكسل الأخير، في شأن النازحين، كان واضحاً في هذا المجال.

ويمكن بعض السياسات الغربية أن يؤدي إلى تكريس بقاء النازحين في لبنان. ومن هنا مسؤولية لبنان وأجهزته الأمنية في عدم السماح بتجميد الملف في الوقت القاتل. ففي ظل الجمود المستمرّ منذ سنوات، وُلدت وستولد أجيال جديدة من السوريين، وبينهم أعداد كبيرة من غير الحاصلين على وثائق إثبات شخصية.

وهذا ما سيؤدي إلى خلق تعقيدات ديموغرافية متنامية في المجتمع اللبناني المترنّح أساساً. وقد تلاقيها تعقيدات ديموغرافية في سوريا أطلّت ملامحُها بإصدار الرئيس بشّار الأسد المرسوم الرقم 10 الهادف إلى «ضبط الواقع العقاري» في سوريا.

وهكذا، يمكن لبنان أن يدفع ثمن تعاطي غالبية مسؤوليه وسياسييه مع ملف النازحين كـ»مزراب ذهب»، أو كسبيل لـ»شحاذة» الدولارات لتغطية الفساد. وفيما الطبقة إياها ما زالت مستفيدة من الفساد، ولبنان مهدّد بالانهيار الاقتصادي والمالي- ولو بعد حين- فإنّ مؤتمرات الدعم المتتالية ستتحوّل عمليات ابتزاز للبنان: ترضخون لشروطنا لنوافق على إنقاذكم! لا في ملف النزوح السوري فحسب، بل أيضاً في ملف التوطين الفلسطيني وملفات أخرى.

حتى ذلك الحين، الأمل يبقى في تحريك الملف جدّياً، وإطلاق مسار العودة المعاكسة، وهي لو بدأت بأعداد قليلة نسبياً، فالرهان يبقى على تحويلها «كرة ثلج». وفيما مرّ حتى الآن 70 عاماً على وجود النازحين الفلسطينيين في لبنان، وبدأ التوطين يلوح جدّياً في الأفق، سيكون المسار المعاكس الذي يديره الأمن العام اللبناني هو السبيل إلى منع تكرار التجربة مع النازحين السوريين. وإلّا فسيكون السؤال: كم جيلاً يجب أن ينتظر اللبنانيون ليشهدوا عودة النازحين السوريين إلى بلادهم؟