IMLebanon

كي لا تبقى زيارة ظريف.. مجرّد ابتسامة

يأتي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بيروت أو لا يأتي. ليست تلك المسألة. المسألة مرتبطة أساساً بسؤال من شقّين في غاية البساطة. هل تعي إيران النتائج المدمّرة لسياستها في المنطقة العربية؟ وهل هي في صدد تغيير سلوكها أم لا، في ضوء توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأميركية، بغطاء مجموعة الخمسة زائداً واحداً؟

يُفترض في المسؤولين عن النظام الإيراني إدراك أنّ كلّ ما فعلوه حتّى الآن هو الاستثمار في إثارة النعرات المذهبية في المنطقة وتعميقها. مثل هذه السياسة، القائمة على الاستثمار في الغرائز المذهبية، لا تفيد أي دولة عربية ولا تساعد في بناء علاقة ودّية وندّية مع إيران. 

على العكس من ذلك، إنّ السياسة الإيرانية تصبّ في اتجاه حضّ العرب على البحث عن وسائل لحماية أنفسهم من الخطر الآتي من طهران. وهذا ما فعلته المملكة العربية السعودية عندما ساعدت البحرين في المحافظة على أمنها واستقرارها، وعندما دعمت الشعب المصري بعد «ثورة الثلاثين من يونيو» التي خلّصته من الإخوان المسلمين ونظامهم. هذا النظام الذي كان يمكن أن يدمّر مصر نهائياً عن طريق إخراجها من المعادلة العربية.

تتحرّك المملكة العربية السعودية بحيوية كبيرة في كلّ الاتجاهات. كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان وليّ وليّ العهد، وزير الدفاع، لمصر دليلاً على أن المملكة تعي كلّياً ما على المحكّ وأنّها ستقطع الطريق باكراً على كلّ المحاولات الهادفة إلى دقّ إسفين بين القاهرة والرياض. 

ما صدر عن محادثات وليّ وليّ العهد السعودي والرئيس عبدالفتّاح السيسي يشير إلى وعي في العمق للتهديدات التي تتعرّض لها منظومة الأمن العربي، أو ما بقي منها. لذلك جاء التركيز على بناء القوّة العربية المشتركة وكيفية بناء هذه القوة التي لا مجال لمصر إلّا أن تكون في صلبها.

لم تكن زيارة محمّد بن سلمان لعمّان ومحادثاته مع الملك عبدالله الثاني سوى دليل آخر على إدراك السعودية لأهمّية الأردن الذي يقف على خط المواجهة مع كلّ أزمات المنطقة، بما في ذلك المشروع التوسّعي الإيراني والحرب على الإرهاب. ولذلك تضمّن البيان المشترك الصادر عن زيارة وليّ وليّ العهد السعودي إشارة واضحة إلى أن أمن السعودية والأردن «كلّ لا يتجزّأ»، وإلى ضرورة التصدي للأطماع الإيرانية وتدخلها في الشؤون العربية. وهذا ما تمارسه السعودية بالأفعال وليس بمجرّد الكلام عندما تقاوم عبر عملية «عاصفة الحزم« المشروع الإيراني في اليمن.

هل تفهم إيران الرسائل العربية التي من بينها الإدراك التام لخطورة الميليشيات المذهبية التي تحت سيطرتها والتي تقاتل في لبنان وسوريا والعراق واليمن؟

في حال فهمت ذلك، يكون هناك جديد في زيارة ظريف للبنان وقبلها لجولته التي شملت قطر والكويت وسلطنة عُمان. في غياب الجديد، لن تقدّم زيارة وزير الخارجية الإيراني ولن تؤخّر. 

كلّ ما هناك، أن الجديد هو على الصعيد العربي وليس الإيراني. هذا الجديد يتمثّل في أن معظم العرب لا يريدون البقاء في أسْر التفرّج على ما تقوم به إدارة أوباما التي يبدو همّها محصوراً في تطبيع العلاقات مع إيران. الأهمّ من ذلك، أن هناك عرباً يعرفون جيّداً أن المزايدات الإيرانية على الصعيد الفلسطيني لن تجعلهم يتراجعون بأيّ شكل عن رغبتهم في مقاومة الخطر الإيراني والصمود في وجهه. 

تستطيع إيران المتاجرة بالقضية الفلسطينية مقدار ما تشاء وإقامة «يوم القدس» كلّ أسبوع، بل كلّ يوم، وأن تراهن على أن هناك ما يكفي من السذّج للاعتقاد بأنّ طريق القدس تمرّ بالزبداني ودمشق وحمص وحماه وإدلب وكل قرية ومدينة سورية. تستطيع أيضاً القول عبر الناطقين باسمها، وبينهم من يتظاهر بأنّ لديه اعتراضات على النظام، أن لولاها لكان أرييل شارون لا يزال في بيروت وأنّها شريك في الحرب على «داعش»…

هذا كلام تجاوزه الزمن وتجاوزته الحوادث، ولا علاقة له بالواقع، خصوصاً أن إسرائيل ما زالت عدواً ولم تستطع اختراق النسيج اللبناني، كما لم تستطع اختراق أي مجتمع عربي، بما في ذلك المجتمعان المصري والأردني… 

ما يواجهه العرب حالياً خطر من نوع آخر تمثّله الميليشيات المذهبية التي تسيّرها إيران. هذه الميليشيات هي التي تهدد اللبنانيين ومستقبل دولة اسمها لبنان وتقتل السوريين والعراقيين والبحرينيين واليمنيين… هذه الميليشيات التي تموّلها إيران وتستخدم من خلالها الغرائز المذهبية تمثّل القنبلة الذرية التي يخشاها العرب.

ماذا تستطيع إيران أن تفعل بالقنبلة الذرية غير إدخال دول المنطقة في سباق تسلّح يستنفد ثرواتها، هي في غنى عنه؟ 

مَن يشكو من امتلاك إسرائيل السلاح النووي لا يعمل على توفير كلّ المبررات لاحتفاظ إسرائيل بهذا السلاح الذي يشكّل تهديداً للمنطقة كلّها. 

لا اعتراض لدى أي عربي على الاتفاق النووي مع «الشيطان الأكبر». الاعتراض على أنّ لا جديد في السياسة الإيرانية، أقلّه إلى الآن. 

ابتسامة ظريف لا تزال مجرّد ابتسامة تخفي رغبة جامحة في التوسّع والتصرّف على أساس أن على العرب الرضوخ لإيران. هذه معادلة مرفوضة، حتّى إشعار آخر، على الرغم من كلّ المحاولات المبذولة لفرضها على المنطقة بالقوّة عبر ميليشيات لا تشكّل في نهاية المطاف غير «دواعش« شيعية تعمل في خدمة تنظيم «داعش» السنّي.