يوقّعون عريضة البيعة، يتظاهرون أمام سفارة آل سعود تعبيراً عن عرفان الجميل لهؤلاء الأخيرين، نوّاب ووزراء ورؤساء حكومة، سابقون أو بالقوة ينتظرون ساعتهم. إنّ ما يجري في لبنان اليوم هو فضيحة كبيرة، فجميع الممثّلين في فاجعة الدولة اللبنانية ليسوا في مواقعهم، ولا يلعبون الأدوار التي انتحلوا صفة أصحابها، وأغلب الظنّ أنهم لا يعرفون شيئاً عن هذه الأدوار وعن دلالاتها.
ما هو مبرّر تجمّع النوّاب والوزراء اللبنانيين وإقامة سوق للمدائح عند بوابة سفارة السعوديين؟ وزير لبناني تحفّظ على بيان سعودي، أو بالأحرى على بعض فقراته، تبنّته جامعة الدول العربية؟ أغضب ذلك آل سعود وأنصارهم في لبنان؟ هل يجوز لنائب لبناني ممدّداً، أو لوزير، أن يطبّق في لبنان فتوى سعودية، تحرّم على اللبنانيين انتقاد سياسة آل سعود!
في الوقت الذي كان نوّاب ووزراء تيار المستقبل السعودي، وفريق 14 آذار المنبثق من «ثورة الأرز» التي اعتُمدت أيضاً ثورة الحرية والسيادة، في الوقت الذي كانوا فيه يُلقون خطباً تبجيلاً بصاحب الجلالة وبوليّ الوليّ لوليّ العهد، كانت سلطات آل سعود تُصدر أوامر بإبعاد العديد من اللبنانيين بتُهم تمسّ حرية الرأي والمعتقد. صراحة، لم أتفاجأ بمثل هذه المواقف، فأنا أعرف أنّ النائب أو الوزير في لبنان لا يدافع عن مصالح اللبنانيين في لبنان وفي المهجر، ولكنّه يخدم نفسه بالدرجة الأولى ثم زبائنه، فكيف إذا كان نائباً ممدّداً؟
هل صدر بيان بشأن المرحّلين اللبنانيين من الدول الخليجية، ومن نجد والحجاز، عن الحكومة اللبنانية، عن أحزاب سياسية، من حركات عن تيارات سواء موالية أو معارضة، يُدين السياسة العنصرية التي يطبّقها آل سعود على اللبنانيين وغيرهم من العمال الأجانب؟ لماذا يُحسب الشيعة في بلاد الخليج على حزب الله، وليس على حركة أمل التي تميّز موقفها من موقف حزب الله، واتّسم بالإعتدال و«اليد الممدودة»، رغم بحر الدم في سورية، ورغم دخول عدد من الجهاديين والمهرّبين السعوديين إلى لبنان؟ (كي لا ننسى أمير الكبتاغون).
أيّهما أكثر إلحاحاً، إعلان البيعة لآل سعود أم جمع أكياس النفايات من شوارع المدينة بيروت ومن على جنبات الطرقات؟ أعتقد أنّ المسافة الفاصلة بين سفارة آل سعود من جهة، وبين القصر الجمهوري في بعبدا من جهة ثانية تتضاءل شيئاً فشيئاً، وقد تصير متساوية مع المسافة المتبقية بين هذه السفارة وبين السراي الحكومي!
أنا على يقين من أنّ المتبارين في مديح آل بيت سعود غير مقتنعين بما قالوه عند بوابة سفارة الأخيرين، بمعنى أنّ غايتهم ليست إسماع آل سعود، وإنّما هي بحسب رأيي وبكل تواضع، توفير الظروف الملائمة لكي يقوموا بانقلاب يوصلهم إلى السلطة ويمكّنهم من التفرّد بها، في محاكاة لما نجحوا في تحقيقه من خلال ما سُمّي بـ«ثورة الأرز»، عقِب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يحسن التذكير أنّ «ثورة الأرز» عطّلت بالكامل دور رئيس الجمهورية، وأسلمت السلطة بالكامل أيضاً لحكومة كان يرأسها السيد فؤاد السنيورة، الذي استغلّ الفرصة وأصدر كما تناهى إلى العلم، عدداً هائلاً من التشريعات فضلاً عن أنّه، استناداً إلى مصادر إعلامية، ارتكب تجاوزات كبيرة في صرف الأموال العامة وكاد أن يودي بالبلاد إلى التهلكة بمساعدة السيد وليد جنبلاط، الذي ينتظر «رئيساً مستقبلياً». ولكن لحسن الحظ أنّ المغامرة انتهت في 7 أيار 2008.
بكلام صريح وواضح، إنّ الرأي عندي هو أنّ المطلوب في لبنان ليس ملء منصب رئاسة الجمهورية الشاغر، وإنّما تشكيل حكومة تشبه حكومة السيد فؤاد السنيورة قبل 2008، لتواصل مغامرة هذا الأخير من حيث أمكن إيقافها، أي إعلان الحرب على حزب الله. لا حرَج في القول إنّ هذا ما يريده آل سعود، وما تريده الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما تستعدّ له إسرائيل. هذا هو في الحقيقة، فحوى الخطاب الإعلامي والدعائي الذي نسمعه في الأشهر القليلة الماضية. لماذا غضّ النظر والإعراض عن الإصغاء وعن القراءة ما بين السطور؟!