IMLebanon

كي لا يتبعثر الوطن

لبنان على موعد اليوم مع حلّ أحجية الانتخابات الرئاسية، وذلك بعد نحو سنتين ونصف السنة من الفراغ في الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية… هذا الفراغ الذي تكرّر وقد يتكرّر أمام كلّ استحقاق دستوري، سواءٌ أكان انتخابات نيابية أم تسمية رئيس الحكومة أو تشكيل هذه الحكومة وتوزيع حقائبها، يؤكّد ويعلن بشكل لا لبس فيه عن فشل النظام اللبناني وتعثّره أمام كلّ استحقاق دستوري أو سياسي… مع انسحاب هذا الإخفاق حكماً وبشكل تلقائي على سائر السلطات ومؤسسات الدولة، ما يحوّلنا دولة فاشلة، يختار شعبها إما ترك بلادهم الى دنيا الله الواسعة، أو يصبحون رعايا صامتين في أرضهم، أو يقفون في صفوف الزبائنية السياسية التي تعطل كلّ تغيير ممكن.

من هنا، وبعيداً من سكرة السعادة التي نعيشها مع انتخاب رئيس جديد، هو الأقوى والأقدر لأسباب عدة ومتعدّدة… فإنّ نجاح العهد يتطلب عمليات جراحية عاجلة وسريعة تصبّ كلّها في تصويب بوصلة النظام… إذ إنّ التجارب الدستورية المتكرّرة منذ العام 2005 أثبتت أنّ المشكلة في لبنان لا تكمن في الأشخاص أو الأحزاب أو الاستحقاقات بحدّ ذاتها، إنما، وخصوصاً وأساساً في النظام اللبناني ومتفرّعاته العدة التي تثبّته وتجذّره ولكنّها تمنع تقدمه بل تعرّضه لهزات متتالية تكاد تطيح بلبنان الوطن…

ولعلّ أولى هذه الإصلاحات وأهمّها هي التوصل الى إقرار قانون حديث للانتخابات النيابية، يؤمّن تمثيلاً عادلاً لأوسع شريحة من المواطنين، قانون يساهم في تحريك مياه المجلس، وفي إدخال عناصر شابة وجريئة اليه، قانون يعطي المجلس النيابي حجمه الحقيقي ودوره في الحياة السياسية والوطنية، سواءٌ عند تشريع القوانين أو لحظة مراقبة السلطة التنفيذية أو في إجراء الانتخابات الرئاسية بموعدها الدستوري كلّ ستة أعوام، خصوصاً أن يتمكّن هذا المجلس من تحويل هذا الحدث استحقاقاً لبنانياً بحتاً لا لبس فيه.

إنّ الإبقاء على قانون الستين أو إقرار قانون يحفظ الطبقة الحالية قد يؤمّن استمرار القوى الحالية، لكنّه سيقضي على عهد انتظره اللبنانيون طويلاً، علماً أننا على أبواب انتخابات نيابية لا يمكن تأجيلها سواءٌ بشكل مباشر عبر تمديد يقرّه المجلس النيابي الحالي أو بشكل غير مباشر عبر اعتماد قانون الستين.

ثاني الاستحقاقات أمام العهد هو إعادة تفعيل وتحديث المؤسسات والمرافق العامة، بحيث تعود منتجة فعالة لا يمكن الاستغناء عنها أو الهروب منها الى خصخصة قاتلة لفكرة الدولة، ومكلفة للمواطن. مؤسسات تعيد الى الدولة أهميّتها في حياة اللبنانيين وخصوصاً أولئك المهمشين والفقراء والذين آمنوا بلبنان وطناً نهائياً.

ثالث هذه الاستحقاقات، هو إعادة الشأن الاجتماعي والاقتصادي الى دائرة الضوء عبر تبنّي مقولة الدولة الحامية ولكن المنتجة مع ما يستتبع ذلك من تشجيع فعلي للقطاعات الإنتاجية خصوصاً الصناعية والزراعية، إضافة الى حلّ مشاكل الكهرباء والمياه والنقل المستعصية عن الحلّ منذ انتهاء الحرب.

والمحافظة على الجامعة الوطنية عبر إبعاد المحاصصة عنها وتحديثها وتطويرها… واستعادة دور المدرسة الوطنية التي خسرت غالبية تلامذتها اللبنانيين بسبب الإهمال وسياسة التهميش التي اعتُمدت في السنوات الماضية.

رابع هذه الاستحقاقات هو إعادة الثقة بالقضاء عبر تفعيله وحمايته، أولاً من تدخّل السياسيين فيه، وحمايته ثانياً من أهله الذين عليهم أن يشعروا أنه سلطة مستقلة قوية ومهمة في قيام دولة العدل لا دولة العقاب أو دولة لا قانون…

ممّا لا شك فيه، أنّ الآمال الملقاة على هذا العهد كثيرة وكبيرة، وفترة السماح ليست بطويلة، وإرادة التغيير يجب أن تلمس من الشعب اللبناني سريعاً، خصوصاً أنّ الهريان قد ترسّخ بجسم الوطن الصغير، هريان لم تعد تفيد معه المسكنات أو التبريرات غير المقنعة، فهل يقدِم العهد على إحداث الفرق أم يتعثر، فيتبعثر الوطن؟