يسود الترقب على الساحة المحلية بعد انتهاء إجازة عيد الفطر، والذي أدمت فرحته الأحداث المؤلمة في طرابلس، حيث عاد الإرهاب ليطل برأسه مستهدفاً القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي، مخلفاً حالة من القلق والترقب عمّا إذا كانت هذه العملية بداية لفصل جديد من المواجهة مع شكل منفرد ومنظم من إرهاب الخلايا النائمة، أم أنها تقتصر على كونها عملية فردية انتهت مع مقتل المجرم. في كلتا الحالتين، يبدو أن المشهد الداخلي أكثر تعقيداً مما يظهر، لأن الاستغلال السياسي لم يتوانَ عن الانقضاض، رغم بشاعة ما حصل، لإلقاء التهم وتحميل فريق دون غيره مسؤولية ما حصل وكأنه يرعى الحركات الإرهابية ويدافع عنها!
ولكن في الحقيقة، أن اللعب بالنار في هذا الشكل، لا يُهدّد صيغة العيش المشترك والتي يرتبط بها الأمن والاستقرار فحسب، بل يضر بتماسك المؤسسات العسكرية والأمنية ومعنويات عناصرها، والذين يشكلون صمّام الأمان الأكبر في مواجهة شتى المخاطر الأمنية المحدقة من كل حدب وصوب وهي آخر المؤسسات التي بقيت وتحاول الصمود خارج التجاذبات السياسية والفساد المستشري في كامل أنحاء الدولة… فالأجدى لمن سوّلت لهم أنفسهم المتاجرة بدم الأبطال ومعاناة عائلاتهم لاستكمال هجومهم الحاقد على الطائفة السنية أن يضعوا رزنامة عمل واضحة لإنماء المناطق المحرومة والتي تمّت قيامة مناطق أخرى على جثتها، لأنها تنمّي الشعور بالغبن والغربة عن الدولة حيث يتحوّل القاضي إلى الجلاد.
من جهة أخرى، بات ملف الموقوفين الإسلاميين مادة لشدّ العصب الطائفي وإطلاق الأحكام المبرمة حتى قبل المحاكمة! فنحن لسنا في صدد الدفاع عن أي مُرتكب بحق أية ذرة تراب من الوطن، ولكن إما أن يخضع الجميع لميزان عدالة واحد بمقاييس موحدة أو على الأمن السلام، فتتحوّل سجوننا لبؤر تشحذ الأحقاد وتنمي الكراهية دون سبب موجب. فالتأخير في المحاكمات لا يزال لغزاً لدى الموقوفين وأهلهم خاصة واللبنانيين عامة، فإذا من دواع أمنية لا بد أن توضحها الجهات المختصة، وإلا لتعلّق المشانق ويُعدم الإرهابي ويُحرر المظلوم، لتستعيد الدولة ما بقي من صدقية ويتمّم القضاء رسالته بعيداً عن التطييف للملفات والكيل بمكاييل مختلفة تخدم جماعات دون أخرى… فما شعور البريء الموقوف الذي يرى أن حكم جرم التعامل مع العدو الصهيوني حبس سنتين فقط ثم خروج المنتصر بينما ينتظر هو الوفاء بالوعود بإنهاء ملفه عبر تحويله للمحاكمة، وهي حقه الدستوري الذي حُرم منه لسنوات طويلة، ولا نقول إطلاق سراحه؟!
لقد انعكست أزمة النزوح الكبير سلباً على اللبنانيين ووضعتهم تحت ضغوط مختلفة، فبات إطلاق الأحكام جزافاً في دولة فشلت في أن تحكم بالعدل سهلاً ومباحاً، وأصبح التعميم أسهل أشكال التوصيف، إلا أن خطورته تكمن في الظلم الذي يلحق الصالح بالطالح، ويحوّل المظلوم لبركان غاضب ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار!
لن نخوض بدور السجون وورشة العمل التي تم الحديث عنها واستثمارها إعلامياً إلا أنها بقيت حبراً على ورق، واقتصرت على بعض المراحيض والأرضيات من دون أن تصل إلى جوهر التأهيل، وهو البشر قبل الحجر.
فالبطل صابر مراد، الفلسطيني الجنسية والذي حُرم من حقه البديهي في الجنسية اللبنانية من جهة والدته، بسبب قانون متخلف ومجحف، فدى الجيش بروحه ورمى بنفسه ليوقف الإرهابي من دون أن يُفكّر بطائفة أو هوية، لقد انتمى لهذا الوطن وفداه بروحه أكثر من الكثير من المسؤولين الذين باعوا وطنهم وتاجروا بأرواح أبنائه وما زالوا يحاضرون بالعفة.
لقد حان وقت تحقيق العدالة لقطع الطريق على العديد ممن يحاولون الاصطياد بالماء العكر وزرع الفتن ونشر الفوضى واللعب على أوتار تقسيمية دفع اللبنانيون ثمن عبثيتها سنوات طويلة من الموت والدمار والتخلف… وعندما يستقيم ميزان العدل تستعيد الدولة هيبتها وتضع حداً للانفلات الأمني و التدهور الأخلاقي الذي نشهده، وكان آخر مشهد نراه الاعتداء على رجال وآلية الدفاع المدني في دير الأحمر من قبل مجموعة في مخيم لاجئين، استسهلوا التطاول على مؤسسات الدولة ورجالها!
هل ستتمكن الحكومة من استعادة عجلة العمل بعيداً عن التجاذبات والحروب الكلامية المستعرة، والتي تطلبت تدخلات رفيعة المستوى لوضع حد ولو مؤقت لها، لأنها باتت ضرورة اقتصادية واجتماعية ملحّة فعلاً لا قولاً ومواجهة التحديات الأمنية ضمن جبهة وطنية موحدة، لا جبهات عديدة ضعيفة تصوّب كل على الأخرى تاركة العدو الحقيقي يُخطط ويُحيك المؤامرات من دون حسيب أو رقيب؟