Site icon IMLebanon

حتى لا تضيع التضحيات

 

لا حدود للقعر في هذه البلاد. كلما نزلنا الى تحت، واعتقدنا أنه الدرك الأسفل، يأتي من يقول لنا إننا مخطئون. والتزام الناس الصمت على هذا التمادي في القهر، سيترك الأبواب مفتوحة أمام حفاري القبور للنشاط أكثر. وفي كل جولة، تنهار مؤسسة وقواعد وقيم. وفي كل جولة، ينتشر الجهل أكثر، ومعه الغطرسة وسوء التقدير. ما حصل في الأيام الأخيرة، لم تكن ذروته في عملية «التحرش» بنا في «الأخبار». حقيقة، أمرنا لا يهم. نحن نعرف ما نقوم به، ولدينا قناعات تجعلنا مستعدين لتحمل الأثمان بأكثر مما يعتقد أهل القهر والاستغلال. وما نقوم به إنما هو عن سابق تصور وتصميم. لدينا وجهتنا وخطتنا وآليات عملنا. ونعرف، أنه في مواجهة القتلة واللصوص والسماسرة، سيكون هناك ثمن بعد ثمن. ولأننا نعرف هذه البلاد جيداً، فقد خبرنا الصالح والطالح فيها. وفي ذاكرتنا الحية، أبطال استشهدوا أفراداً وعائلات، من أجل القضية التي نؤمن بها. ولسنا نرى أنفسنا خارج هذا الطريق. وكل إرهاب أو ضغط أو قهر، لن يغير في قناعتنا شيئاً، ومن يعش يرَ! المهم في ما حصل خلال الأيام الأخيرة هو الدرس القاسي، والصدمة من استسهال بعض المستجدين في عالم الحكم، القيام بأمور يعتقدون أنها صائبة ويعطون لأنفسهم الحق في ادعاء المعرفة والحق، وبالتالي بالتصرف. الصدمة هنا تتعلق بفريق واجهنا معه الصعوبات الكبيرة لأجل مقاومة التعسف والإقصاء. الصدمة تتعلق بشباب وصبايا أعرف أنا شخصياً حجم المعاناة التي مرّوا بها على مدى خمسة عشر عاماً من المواجهة القاسية. الصدمة تتعلق بأناس تعرضوا لأقسى أنواع القهر باسم القانون نفسه، واسم الحق العام نفسه، واسم العناوين العامة نفسها، وتم التعامل معهم كلصوص وخونة ومرتدّین، لأنهم رفضوا التخلي عن قناعاتهم. وكان النقاش الاعتراضي يقوم على فكرة منع الحاكم من استغلال أدوات السلطة في قهر الناس وهي قامت لخدمتهم. وعندما حصل الانقلاب، وأتيحت الفرصة لإعادة تصويب الأمور، لم يكن أحد يحتاج الى من يوصيه بالوقوف الى جانب الحق، وهذا ما فعلناه، يوم وقفنا الى جانب التيار الوطني الحر، وإلى جانب العماد ميشال عون، وخضنا المعارك معه وإلى جانبه، ولم نكن ننتظر من أحد إشارة أو تعليمة، كما لم نكن ننتظر من أحد لا جزاء ولا شكورا. وكلما كانت الأمور تتطور صوب مشاركة أكبر في الحكم، واستعادة الحد المقبول من الحقوق، كانت المعركة تشتد، وكنا على الدوام في الموقع الذي لا نندم لحظة على الوقوف فيه، ولو عادت بنا الأيام، لما بدّلنا تبديلا. الصدمة من كون الأخطاء برزت سريعاً الى الواجهة. وبعيداً عن أي مواربة أو محاباة، كانت ــــ ولا تزال ــــ إدارة جبران باسيل لهذه المسيرة حافلة بكمّ هائل من الأخطاء في الفهم والسلوك والتصرف: مِن توهّم القدرة على فرض هيبة واحترام بقوة الموقع والنفوذ، إلى توهّم قدرة الإمساك بكل الملفات ومعرفة القيام بكل شيء، الى توهّم القدرة على تشكيل مرجعية عامة تخص كل أنواع العمل، في تعبير عن انعدام الثقة بكل الشركاء من رفاق وناس، وتعبير عن خشيةٍ من إبعاد إذا تبدلت الظروف، الى توهّم تولّي منصب القائد ــــ المرجع للطائفة بأكملها، «حتى تكون لنا قوتنا» كما هي حال بقية اللاعبين. وهو وهم قاد الى عقل إقصائي واستئثاري في كل شيء، في التمثيل أو التوظيف والاختيارات والعناوين والخطوات، وقاد إلى عقل لا يحتمل أي رأي آخر.

 

باسيل لا يعرف كلمة «عفواً» وإعادة تصويب مساره تقع أساساً على عاتق عون ونصر الله

وفي كل مرة، فشلت فيه خطة أعدّها باسيل، نيابياً أو حكومياً أو إدارياً أو خلافه، كان الرجل يرفض الإقرار بالخطأ، ويعتبر أن كل نقد له إنما هو حسد وغيرة ورفض له. حتى لو جاء من أهل البيت. وكان على الدوام يستغل حصانة العماد عون وثقته وتفويضه، وهو تفويض بات من المفروض إعادة النظر فيه، لأجل من ناضلوا وضحوا، قبل أن يكون من أجل بقية الناس. اليوم، ليس على جدول أعمال جبران باسيل، سوى الإمساك بما أمكن من مفاصل القوة والنفوذ في الدولة وخارجها. كل ما يقوم به هو في خدمة هذا الهدف. وهو غير مستعد، أبداً، إلى فهم أن البلاد تغيرت، وأن الناس تغيّروا، وأن القدر والتاريخ أقوى من كل علاقات عابرة، وأقوى من كل مصالح قامت لهذا السبب أو ذاك. وهو في كل يوم، وفي كل ما يقوم به، إنما يتصرف على أنه المُحقّ. ليس في قاموس باسيل كلمة «عفواً أو عذراً أو سامحونا»، ومن يخلو قاموسه من هذه المفردات، يكون إما سجيناً لا يقوم بأي عمل، أو متعالياً لا يتعلم من دروس الحياة. وفي الحالتين، وجب القول إن حالة باسيل تحتاج إلى علاج حقيقي، ويبدأ العلاج من أهل الدار أولاً. والمسؤولية هنا تقع على عاتق رجلَين لهما الحظوة والنفوذ، لأن باسيل يستند إليهما في غالبية ما يفعل. المسؤولية هنا تقع على عاتق رجلَين من كبارنا، هما: ميشال عون وحسن نصر الله. والمسؤولية تتفرع لتشمل كل من يحب الرجل ويتمنى له، ولمن يمثّل، الخير والنجاح. وما لم يُعَدِ النظرُ في كل ما مرّ من سلوكيات وآليات تفكير وعمل، فإنه ذاهب الى المزيد من الأخطاء، وعندها سيكون أكثر التصاقاً بمن سبقه على درب هذا النوع من الحكم. هي صراحة قاسية، لكن الاستماع الى المطبّلين والمزمّرين، وإلى الفاشلين الهاربين من فشل الى فشل، واستبعاد رفاق الدرب واستبدالهم بطارئين من الذين امتهنوا الاستزلام، لن ينفع في بناء قيادة تتناسب وتضحيات هذا الجمهور. أصلِح حتى تصلح!