تكاد بعض دول العالم ان تتظاهر داعية الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعد ٤٦٨ يوماً من الفراغ، الذي يقفل أبواب المخرج الدستوري في وجه مسار التغيير الضروري، الذي من شأنه ان يمنع البلاد من الانزلاق الى الفوضى، بعدما انفجر غضب الناس أخيراً في وجه الطقم السياسي المفلس والفاسد الذي لا يجوز ان يستمر في إدارة البلد!
لكن إزاحته عن السلطة تصبح مستحيلة وتتخذ شكل مغامرة غير محسوبة، من دون وجود برنامج يحدد روزنامة ضرورية لمراحل التغيير المتدرج، فلا يمكن هدم البيت من دون تصميم يكفل إعادة بنائه أو على الأقل إصلاحه، وإلاّ ذهب الجميع الى العراء والتيه، المتظاهرون ومطالبهم المحقة والسياسيون الذين أوصلوا البلد الى هذا القعر المعيب والفاضح الذي جعل بلداً يُفترض ان يكون جوهرة المتوسط مزبلة نفايات منزلية ونفايات سياسية كما قال تمام سلام منذ اليوم الأول لقيام التظاهرات!
المثير ان الجلسة النيابية الفاشلة رقم ٢٨ انعقدت أول من أمس، وسط دوي صراخ المتظاهرين في وسط بيروت، ودوي المناشدات الدولية من مجلس الأمن الى العواصم الكبرى، ولكن لم يحضر سوى قرار التعطيل ولم يصل من النواب سوى ٣٧ من الذين يواظبون على الحضور، في حين تستمر سياسة فرض الشلل على الرئاسة ومجلس النواب والحكومة في انتظار ان يقتنع اللبنانيون بأن مرشح “حزب الله” توافقي بامتياز ويرضع من صدرين معاً، صدر ٨ آذار وصدر ١٤ آذار!
في أي حال لم يعد انتخاب رئيس الجمهورية يمثل حلاً للمشكلة المتفجرة، انه مجرد انعطاف في الوضع المريض الى اتجاه عاقل، بمعنى ان انتخاب الرئيس يفترض ان يفتح الباب على تشكيل حكومة جديدة من الضروري ان تكون حكومة انتقالية من اختصاصيين لهم سمعة ناصعة، بحيث تتولى هذه الحكومة الإشراف على انتخابات نيابية وفق قانون عادل وسليم يتم مثلاً على مرحلتين: مرحلة تأهيلية على مستوى القضاء بحيث يتم اختيار المرشحين الثلاثة الأوائل على أساس المذهب، ثم مرحلة تقريرية على مستوى المحافظة أو حتى الدائرة الواحدة، بحيث يتم اختيار فائز من الثلاثة عبر اقتراع عابر للطوائف والمذاهب.
لا يمكن اقتلاع الفساد السياسي والإداري الذي جعل لبنان مزبلة على كل صعيد كما تقتلع جزرة من التراب، فالفوضى متربصة وخصوصاً في مواجهة المتضررين من السياسيين وما أكثرهم، ولا يجوز التراجع خطوة الى الوراء في حركة تريد الإصلاح وإنهاء الفساد ووضع حجر الأساس لدولة نقية يستحقها هذا الشعب الذي امتصّوا دمه من زمن طويل!
وصدقوني يستطيع وحش الطائفية ان ينتصر علينا ان لم نتفق على برنامج مرحلي للتغيير وأيضاً اذا انزلقنا الى الفوضى!