سال حبرٌ كثير ونُشرت محاضر عن القمة الروسية – اللبنانية والتي تناولت ما عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل من هواجس ومخاوف إزاء مختلف القضايا المدرَجة على جدول اعمالها. لكن ما بقي خافياً حتى الأمس القريب يتناول ما سمعه الجانب اللبناني في لقاءاته الرئاسية والحكومية ومن ممثلي الكنيسة الأرثوذكسية وهذه عيّنة منها.
فتحت القمة اللبنانية ـ الروسية الأخيرة شهية عدد من المراجع السياسية والديبلوماسية لإستكشاف نتائجها قياساً على حجم الملفات والقضايا الكبرى التي تناولتها وتعني لبنان والمنطقة، خصوصا انها إنعقدت في توقيت إقليمي وداخلي حساس. إذ غنها اعقبت الهزة التي احدثتها زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لبيروت، وانعقدت على وقع قرار الرئيس دونالد ترامب الإعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
ما أضاف على القمة نكهة خاصة نظراً الى الملفات اللبنانية المطروحة فيها، ولا سيما منها ملف عودة النازحين السوريين التي ربطها الأميركيون وألأوروبيون والمجتمع الدولي عموماً بالحلّ السياسي، في وقت أكد الجانب الروسي تضامنه مع مطلب لبنان تأمين هذه العودة من دون ربطها بهذا الحلّ خشية الإنتظار سنواتٍ إضافية توصلاً اليه، لأنه حل صعب إن لم يكن مستحيلا في المدى المتوقع والمنظور.
على هذه الخلفيات تلاحقت المساعي لفهم المواقف الروسية بعدما التبس على كثير من المراقبين اللبنانيين ما ورد في البيان الختامي المشترك للقمة من عبارات غامضة وملتبسة، خصوصاً في البند الرابع منه الذي تحدث عموما عن تأييد الجانبين اللبناني والروسي «الجهود الرامية الى تطبيق المبادرة الروسية لتأمين عودة اللاجئين السوريين والمهجّرين داخلياً». وخصوصا عند ربط مصيرها ونجاح ما هو مقترَح بضرورة «تهيئة الظروف المؤاتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال اعادة الاعمار ما بعد النزاع. ويدعوان المجتمع الدولي والامم المتحدة والمنظمات الانسانية الى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية».
وهو ما أدّى تلقائيا الى اعادة ربط برامج العودة بعملية الإعمار في سوريا وتوفير الظروف المؤاتية والتي على ما يبدو انها ليست متوافرة الى الآن، خصوصاً على المستويين الإجتماعي والإقتصادي كما الأمني وهو ما عُد ترجمة فعلية لكل المواقف الدولية التي ربطت العودة بهذه المقومات غير المتوافرة في سوريا حتى لحظة انعقاد القمة، وربما الى اليوم في انتظار أي تغييرات جذرية غير متوقعة في وقت قريب.
وبعيداً من هذه الملفات التي ظهر أنها معقدة، وأنّ النقاش فيها قد يتحوّل «جدلاً بيزنطياً»، فقد كشفت تقارير ديبلوماسية وردت من موسكو انّ الجانب الروسي عدّد العقبات التي تحول دون تزخيم مبادرته لإعادة النازحين وربطها بفقدان الأموال الضرورية لتحويلها قابلة للتطبيق. لكنه أشار الى الجهود التي لم تتوقف لإطلاقها ما يعني انها باتت رهن عدد من العقد المالية والسياسية التي جمّدت مفاعيلها في الفترة التي تلت اطلاقها وحتى الأمس.
لكنّ المفاجأة كانت عندما لمّح المسؤولون الروس للجانب اللبناني الى العقبات التي تواجههم مع النظام والمسؤولين الإيرانيين الذين يعوقون بعض الخطوات التي نصت عليها المقترحات الروسية لتسهيل تطبيق مبادرتهم، والتي دعت الى تجميد العمل نهائياً بالقانون الرقم 10 الخاص باستعادة السوريين الغائبين ممتلكاتهم كما بالنسبة الى وقف العمل بالخدمة العسكرية الإجبارية لعامين على الأقل.
وفي جانب من المناقشات وخصوصاً تلك التي تناولت موضوع مشاركة لبنان في مؤتمر أستانة المقرر في 29 و30 نيسان الجاري بناءً على إقتراح وزيرَي الخارجية الروسي سيرغي لافروف واللبناني جبران باسيل، فقد كشفت التقارير أنّ الجانبَ الروسي اشترط بدايةً على الجانب اللبناني تعهّداً بعدم المشاركة في محور «جنيف» المجمّد منذ فترة طويلة لقبول مشاركة لبنان في محور «أستانة».
وهو ما عُد شرطا اساسا بقي الجواب في شأنه رهن عدد من المحطات المنتظرة. وأبرزها اللقاء المرتقب بين بوتين ونظيره التركي رجب الطيب اردوغان في 8 نيسان الجاري في موسكو وبنتيجة المشاورات مع طهران أحد الأطراف الثلاثة المُمسكة بمجريات وآليات مؤتمر «أستانة 5». الامر الذي أدّى عمليا الى وضع مشاركة لبنان في هذا المؤتمر على لائحة الانتظار الى أن تنتهي هذه الإتصالات.
اما في ما خصّ ملفّ النفط والغاز فكان الجانب الروسي صريحا جداً عندما ابدى استعداده للدعم والتنسيق الذي بدا انه قد انطلق من خلال مشاركة الروس في عمليات البحث عن الثروة النفطية في البلوكين 8 و9 في الجنوب من ضمن التفاهم بين احدى شركاتهم وأخرى فرنسية وايطالية، ومن خلال فوزهم بإدارة منشآت النفط في البداوي في طرابلس.
وبرز في هذا الإطار شرح روسي لما سمّوه «الأخلاقيات» التي تحكم عمل الشركات الروسية في إشارة واضحة الى اتهامهم الشركات العالمية الأخرى بالجشع تحت شعار «الرأسمالية المتوحشة».
اما في ما خصّ المساعدات العسكرية وتسليح الجيش فقد عبر المسؤولون الروس عن استعدادهم في هذا المجال مع النصح بعدم التوقف عند الملاحظات الغربية والأميركية منها خصوصا، وهو ما انتهى الى تجميد مثل هذه الأفكار والبرامج الى مرحلة لاحقة طالما انّ لبنان يعطي الاولوية للهبات الأميركية.
أما في شأن اللاجئين الفلسطينيين فقد دعا الروس الى مزيد من التنسيق مع لبنان والمنظمات الدولية بعد تقليص وتجميد المساعدات الأميركية لوكالة «الأونروا» وابلغوا الى الجانب اللبناني أنّ هذا العنوان هو على جدول اعمال أيّ لقاء روسي ـ إسرائيلي، وهم يبحثون عن مخارج لتحييد لبنان عن النتائج السلبية وتخفيف هواجسه في شأن التوطين الفلسطيني. فالروس الى جانب لبنان ولن يوافقوا على أيّ حل يزيد من الكلفة الملقاة على عاتقه.
اما على المستوى الديني فقد انتهى اللقاء مع وفد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الى سلسلة من النتائج خصوصاً على مستوى الطرح اللبناني حول مصير المسيحيين في الشرق.
وعبّر الوفد الروسي عن تفهمه لمخاوف الكنائس المسيحية في المنطقة والشرق الأوسط عموما بعد احداث العراق وسوريا ولبنان وانعكاساتها السلبية على المسيحيين.
وشدد القادة الروحيون الروس على أهمية التواصل مع القيادة الروسية التي وضعت هذا الملف في اولوياتها، وكذلك التواصل مع بقية المكونات الدينية الإسلامية بغية استعادة التوازن المفقود في المنطقة مع إشارة واضحة الى ضرورة مواجهة ما سموه «الحلف السنّي ـ الأميركي المضاد».