استطاع الحراك الاحتجاجي الفلسطيني في الاسابيع الأخيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي ان يوجد واقعاً جديداً، فقد أعطى زخماً لحركة المقاومة، وأشاع أجواء من الخوف والهلع وسط الإسرائيليين الذين ايقظتهم عمليات الطعن والدهس على واقع حاولوا على الدوام تجنب النظر اليه الا وهو سيطرتهم اللاأخلاقية على شعب آخر.
لقد حاول اليمين الإسرائيلي طوال سنوات حكمه طمس الصراع مع الفلسطينيين وتشويهه وتدجينه بشتى الوسائل وابعاده عن وعي الجمهور الإسرائيلي، لكن كل ذلك سرعان ما كان يتلاشى مع انفجار موجة عنف جديدة مثلما يحصل في هذه الفترة.
تشكل الهجمات الفلسطينية في القدس الشرقية وفي قلب إسرائيل نفسها وفي الضفة الغربية تحدياً حقيقياً لإسرائيل حكومة وجيشاً وشعباً. فليس لدى حكومة نتنياهو عنوان سياسي واضح مسؤولية التخطيط للعمليات أو تمويلها نظراً الى أن الشهداء الفلسطينيين أنفسهم نفوا انتماءهم الى هذه التنظيمات واحياناً بصورة حادة، وهي تفتقر الى مبادرة سياسية لاحتواء العنف وتطويقه. أما بالنسبة إلى القوى الأمنية والجيش الإسرائيلي، فالتحدي المطروح هو كيف مواجهة الهجمات والاحتجاجات من دون التسبب بحمام دم فلسطيني يُشعل الشارعين الفلسطيني والعربي على حد سواء. وليست هذه مهمة سهلة في ظل تصاعد مطالبة الجمهور الإسرائيلي بحمايته وضغط الحركات اليهودية المتطرفة التي تريد سياسة أكثر تشدداً وعنفاً.
الهجمات الفلسطينية المنفردة وضعت الإسرائيليين وجهاً لوجه أمام نوع مختلف من العنف، وهي زعزعت ثقتهم باجهزة الدولة وجعلتهم عرضة للخوف والقلق في كل مرة يمرون بالقرب من بلدة عربية، أو يجلسون في حافلة بالقرب من شخص ذي ملامح عربية.
يحاول نتنياهو مواجهة الهّبة الفلسطينية من خلال استخدام العقوبات الجماعية، بدءاً من هدم منازل المهاجمين الفلسطينيين، وعزل الاحياء العربية في القدس الشرقية التي خرج منها المهاجمون، وتهديد سكانها بمصادرة تصاريح الاقامة الدائمة التي تمنحهم اياها إسرائيل، والتضييق والضغط على المدنيين الفلسطينيين لدفعهم الى الوقوف ضد الشباب المحتج دفاعاً عن مصدر حياتهم ورزقهم الذي تتحكم به إسرائيل.
كما تراهن إسرائيل على احتواء الهبّة الفلسطينية الحالية ومنعها من التحول الى انتفاضة شعبية على أمرين اساسيين الى جانب سياسة العقاب الجماعي: انصياع الاجهزة الامنية وقيادات السلطة الفلسطينية لمطالبها وكبح الشارع الفلسطيني؛ واستغلال الضائقة الاقتصادية للضغط على الجمهور الفلسطيني وترهيبه بخسارة الفتات الذي تتكرم به إسرائيل عليه.
يحتاج الحراك الفلسطيني الى احتضان كبير من جميع الفلسطينيين تنظيمات وفصائل وسلطة واجهزة وجمهوراً مدنياً. والأهم أنه في حاجة الى دعم وتأييد عربيين كي لا تذهب تضحيات الفلسطينين هباء.