IMLebanon

حتى لا تبقى الهدنة الرئاسية… هشّة!

غداً عيد الاستقلال… واعتاد اللبنانيون أن يُردّدوا عشية كلّ عيد قولاً صار تقليدياً «عيدٌ بأيّ حال عُدت يا عيد». كانوا يشكون حال بلدهم وانحداره من سيّئ الى أسوأ وعلى كلّ المستويات. ولكن في زمن الاشتباك الرئاسي دخلت عليه إضافة جديدة «عيدٌ بأيّ حال ستأتي يا عيد، وأيّ حال ستكون عليه مرحلة ما بعد العيد؟».

واضح أنّ الاشتباك الرئاسي دخل في هدنة غير معلنة، ولكن حتى الآن لا اتفاق جدياً على وقف حقيقي ونهائي لإطلاق النار بين الجبهات الرئاسية. وبالتالي ليس معلوماً كم ستصمد إن كانت هدنة موقّتة وهشّة قابلة للانفجار في أيّ وقت وتحت أيّ عنوان، خصوصاً أنّ اليد ما زالت على الزناد.

هذا الاشتباك ما زال هو المتحكّم بالمشهد الداخلي، وتسبب في إطفاء محركات التأليف كلها، وطيّر الحكومة الى ما بعد عيد الاستقلال، وليس معلوماً كم من الوقت ستتطلّبه إعادة تشغيل تلك المحركات من جديد، وعلى أيّ أساس.

يقال إنّ الرئيس المكلف سعد الحريري لم يقطع الامل في انطلاقة جديدة وأكثر جدية بعد العيد، ولكن يقال في المقابل إنّ توجّه الحريري هذا مبني على تمنيات اكثر ممّا هو مبني على وقائع تنفي عودة مسار التأليف الى الغرق والمراوحة السلبية في المربع الأول.

يًشي المشهد بدخول البلد في حال انتظار، الحريري يريد تشغيل محركات التأليف اليوم قبل الغد، يرفض أن يكون قد دخل أو أُدخِل في كوما التأليف، لكنه لا يستطيع أن يصفق وحيداً.

فالتباين السياسي قائم، والجبهات الرئاسية ما زالت على سخونتها، و«الأصدقاء» الذين يعتبرون انفسهم أنّ في إمكانهم لعب دور وسيط أو ساعي خير أو عامل على خط تبريد الجبهات، مصدومون ممّا حصل، يبحثون عن سرّ الخطاب التصعيدي وموجباته وتوقيته والهدف منه، فلا يجدونها.

هم يتمنون أن تهدأ النفوس من تلقاء نفسها، لكنّهم مرتابون من سرعة اندلاع هذا الاشتباك على مسافة أيام معدودة من الولادة الرئاسية، ويخشون مع هذا الاشتعال السريع، من تدحرج الأمور الى ما هو أسوأ وأكثر تعقيداً، وأولى الضحايا هنا هي الحكومة التي لم تُشكّل بعد. إضافة الى الضرر الكبير الذي سيلحق بالمرحلة الرئاسية الجديدة، وكذلك بالبلد.

أُخِذ على الرئيس نبيه بري أنه ردّ على الهجوم الرئاسي على مجلس النواب، ولكن هذا «الأخذ» كان محلّ استغراب في عين التينة، وهناك مَن يقول»للموقع الرئاسي الأول كرامته واحترامه، وكذلك للموقع الرئاسي الثاني احترامه وكرامته، وأيضاً للموقع الثالث، إلّا أنّ هذه «الهجمة» تبعث على الريبة، ولا هي مبلوعة لا في مضمونها وتعابيرها، ولا الزمان الذي أُطلقت فيه ولا في المكان الذي أُطلقت منه.

وبالتالي يستحيل على برّي أن يقبل بجعل مجلس النواب الذي يرأسه مكسر عصا، أو هدفاً سهلاً للتصويب عليه، وساحة للتشفي وأرضاً سائبة لرمي كلّ الموبقات عليها، لذلك من يطرق الباب سيسمع الجواب. ثمّ لو أنّ برّي سكت على هذه الهجمة وتجاوزها حالياً، فمَن يضمن ألّا تتكرّر وتتصاعد وتتوسع اكثر تحت عنوان التمديد للمجلس او أيّ عناوين أخرى»؟

وفي المقابل أُخذ على الرئيس ميشال عون هجومه على مجلس نيابي انتخبه قبل أيام. وهناك مَن هو على قناعة بأنّ كرة المعالجة في ملعبه، وثمّة طريق وحيد للمعالجة ورأب ما تصدّع سواء بين الرئاستين أو ما أحاط مسار تأليف الحكومة من عثرات ومطبات ومطالبات ومحاولات إبعاد وإلغاء، وهذه الطريق تمرّ عبر ما يلي:

– أولاً، الاقتناع بأنّ الأولوية هي لإعادة ترميم التصدع الذي سببه اشتباك الرئاستين، وبأنّ الحاجة باتت اكثر من ملحّة لإعادة الوهج الى المرحلة الرئاسية، التي تشظّت. وبالتالي مدّها بحقنة معنوية كبرى تعيد لها الحيوية التي يُفترض أن تدبّ فيها بمبادرة من رئيس الجمهورية بالتكافل والتضامن مع كلّ القوى السياسية. والرئيس هو المعني الأول في إعادة هذا الوهج.

– ثانياً، الاقتناع بأنّ الرئيس لا يستطيع أن يحكم وحده، لأنه جزء من هذا الحكم وليس كله. وأنّ لغة مرحلة ما قبل «الطائف»، لا تصحّ في مرحلة ما بعده.

– ثالثاً، الاقتناع بأنّ الرئاسات الثلاث، محكومة بالتفاهم والتعاون لاطلاق عجلة الدولة، بمعزل عن أيّ خلافات أو تباينات سياسية أو آراء مختلفة حول أيّ أمر.

– رابعاً، الاقتناع بأنّ سياسة الاشتباك تأكل من وهج الرئاسة ومن رصيد المرحلة المقبلة، ليس من رصيد الرئاسة وحدها بل من رصيد كلّ المؤسسات والبلد.

– خامساً، الاقتناع بأنّ استمرار دحرجة المواقف الاستفزازية في اتجاهات متعددة، وبطريقة استعلائية وبلغة استئثارية، يفتح الباب امام استفزازات مقابلة وتوترات سياسية وتعكير للمناخ العام. كما أنّ الاستمرار في سياسة الاشتباك، من شأنه أن يوسّع مساحته الى حدٍّ يصبح معه احتواؤه أمراً شديد الصعوبة والتعقيد. فضلاً عن أنه يستفزّ، أو هو استفزّ الصديق القريب قبل الخصم البعيد.

وجعَله يشعر بريبة وخشية من أن يكون خلف الاكمة ما خلفها، ويرسم علامات شك في المرحلة الرئاسية المقبلة، وفي الخيارات والتوجهات التي ستتبع. وهناك من الأصدقاء مَن صار يسأل صراحة: أيّ خيارات ستتبع في المرحلة الرئاسية، وأيها ستكون لها افضلية الالتزام بها؛ التحالفات القديمة أم التفاهمات الجديدة؟

– سادساً، القراءة الواقعية والموضوعية للمشهد الداخلي وتوازناته التي لا يستطيع أحد أن يتخطّاها أو أن يفرض توازنات جديدة على واقع سياسي وطائفي شديد الحساسية.

– سابعاً، الاقتناع بأنّ كلّ الأطراف مسلمة بأنّ العهد يحتاج فعلاً الى حصانة مسيحية شاملة، ولكن ليس أن تكون هذه الحصانة من لون واحد يؤمّنها طرف مسيحي واحد أو طرفان وعلى حساب كلّ الألوان المسيحية الأخرى.

الحصانة المسيحية تكتمل بكلّ الألوان وليس بإبعاد بعضها أو محاولة إلغاء البعض الآخر، خصوصاً أنّ لكلّ لون مسيحي حضوره وفعاليّته ودوره التحصيني، الذي لا يستطيع أحد أن ينفي وجوده أو يلغيه.

– ثامناً، الاقتناع بأنّ الحصانة المسيحية للعهد، وعلى أهميتها، وحدها لا تكفي، بل تزيد فعاليتها بالحصانة الوطنية التي توجب أن يكون جميع الآخرين، والمسلمون الى جانب المسيحيين، شركاء فيها.

– تاسعاً، الاقتناع بأنّ خريطة التوازنات اللبنانية، لا تخوّل طرفاً أن يبلع طرفاً أو أن يمون على طرف أو أن يحتوي طرفاً أو أن يُبعد طرفاً أو أن يلغي طرفاً أو يفرض رأيه على كلّ الآخرين، أو أن يختار لهم مواقفهم وآراءهم وحتى ممثليهم ويضع «الفيتو» على أسماء مرشحيهم لتولي حقائب وزارية.

– عاشراً، الاقتناع بأنّ خريطة التوازنات تؤكّد أنّ الشراكة حق لكلّ مكوّنات الشعب اللبناني، وأنّ ما يحق لهذا الطرف يحق لغيره أيضاً.

– حادي عشر، الاقتناع بأنّ أيّ تفاهمات جانبية، ثنائية أو ثلاثية، هي ملزمة لأطرافها فقط ولا تلزم أحداً غير المتفاهمين، ولا يمكن بالتالي فرض هذه التفاهمات على الآخرين.

– ثاني عشر، الاقتناع بأنّ سياسة الاحجام المنفوخة، والإصرار على استرضاء طرف بعينه والنزول عند طلباته ورغباته، وقطع الطريق على إشراك وزراء مسيحيين في الحكومة، من خارج إطار «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، هي التي تعطل تأليف الحكومة حتى الآن، فضلاً عن أنها تخلّ بالتوازنات الداخلية. فضلاً عن أنّ الضرر الأكبر الذي لحق بالحكومة قبل تشكيلها، نجم عن تخفيض رتبتها من حكومة العهد الأولى فاعلة ومنتجة الى حكومة انتقالية لا يعوّل على فعاليتها وانتاجيتها.

تبعاً لما تقدم، تؤكد قراءة صديقة للعهد الرئاسي الجديد أنّ انطلاقة المرحلة الرئاسية ومعها الحكومة الأولى، باتت تفرض أخذ العبر ممّا جرى، وإعادة ترميم المشهد الذي تصدع ومعالجة النتوءات التي ظهرت ومحاولة تشذيبها وإعادتها الى حجمها الطبيعي، وهناك فرصة للعمل بما نصح فيه «أصدقاء الرئيس» بالذهاب نحو إعادة تصويب الطرح السياسي وفتح المدى لاستيعاب الجميع والعودة الى لعبة الأحجام الطبيعية والابتعاد من لعبة الأحجام المنفوخة.