IMLebanon

هكذا استعدّ «السيد» لموعد الثامنة والنصف

لا تشبه المقابلة مع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله غيرها من المقابلات. ولعل أجمل ما فيها، أنها تبدأ قبل موعدها، ولا تنتهي مع ختامها.

ولأن اللقاء مع «السيد»، سواء أكان إعلامياً أم سياسياً، ينطوي على خصوصية معروفة، فإن التحضيرات له لا تكون عادية، مراعاة للجوانب الأمنية.

على هذه القاعدة، توجّهت مساء الجمعة الماضي الى مبنى قناة «المنار» في حارة حريك، للانطلاق من هناك في «الرحلة».. نحو الحوار التلفزيوني المنتظَر مع «السيد».

كانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساء، بقليل، عندما أستقليت أنا والمشرف على الأخبار والبرامج السياسية في التلفزيون الدكتور ابراهيم الموسوي إحدى سيارات الحزب، ذات الزجاج الداكن، والتي سلكت مساراً متعرّجاً، تخللته أكثر من محطة.

تحاول على الطريق أن تستنتج بـ «الحدس» الاتجاهات التي يسلكها السائق الذي تفصله عنا ستارة سوداء، لكنك سرعان ما تعدل عن الفكرة بعدما تكتشف فوراً «عبثيتها».

نملأ الوقت «الثقيل الوطأة»، أنا وابراهيم الموسوي، بنقاشات جانبية متفرقة، وبتبادل التوقعات حول ما يمكن أن يقوله «السيد» في إطلالته التلفزيونية. فجأة تتوقف السيارة في مكان «مجهول»، ثم يتولى أحدهم فتح الباب، لنجد في استقبالنا أحد كوادر «حزب الله» بابتسامته العريضة، قائلاً: عسى ألا نكون قد أتعبناكم.. عذراً، لكن، هذه الإجراءات ضرروية.. (وهي عبارة كنا نسمعها في كل المحطات التي مررنا بها في طريقنا للقاء مع «السيد»).

ندخل مباشرة الى غرفة استقبال واسعة، تحوي العلم اللبناني وعلم «حزب الله»، وتوزّعت فيها أربعة مقاعد، تحيط بها باقة ورد وطاولات صغيرة، وُضع على كل منها طبق من الحلوى وزجاجة مياه.

دقائق قليلة، ويبلغنا أحد مساعدي «السيد» أن الأمين العام لـ «حزب الله» سيلتقي بنا لبعض الوقت، قبل بدء الحوار التلفزيوني. سررنا كثيراً بالأمر، وشعرت شخصياً أنني سأفوز بـ «حلقة» ضمن «الحلقة».

وبالفعل، سرعان ما أطلّ «السيد» بقامته القيادية وقمة تواضعه. بعد المصافحة الأقرب إلى الاحتضان، وتبادل القبل، جلس على أحد المقاعد، وكنا نحن في قبالته مباشرة. تحار في اللحظات الأولى من أين تبدأ، فيما الحواس كلها تتسابق على الإحاطة به، وأنت الجالس في حضرة شخصية محورية، فاض حجمها عن لبنان، لتغدو رقماً صعباً في العالمين العربي والإسلامي.

كان لا بد أولاً من شكره على فرصة إجراء حديث تلفزيوني معه، «بعد مرور تسع سنوات على آخر مقابلة أجريتها شخصياً معه عبر قناة المنار». صوّب «السيد» الإحداثيات الزمنية، موضحاً أن هذه المقابلة جرت قبل حرب تموز: «لقد أصبحت حرب 2006 خطاً فاصلاً بالنسبة إلي، هناك ما قبلها وما بعدها..»، قال السيد نصرالله.

بعد تقديم الشاي، انطلق «السيد» في عرض عام للأوضاع في لبنان وسوريا والمنطقة، متوقفاً عند مأساة الضحايا الحجاج في «منى»، متمنياً تجاوز سؤال كان مقترحاً حول كيفية إحيائه شخصياً عيد الأضحى، «لأن الواقع الذي نعيشه ليس مؤاتياً لمثل هذا النوع من الأسئلة، لاسيما في أعقاب فاجعة الحجاج».

كانت الساعة قد قاربت الثامنة مساء، (أي قبل ثلاثين دقيقة من بدء المقابلة) عندما غادرنا «السيد»، استعداداً للظهور الرسمي على الهواء مباشرة.

في هذه الأثناء، انتقلت إلى الغرفة المجاورة، حيث طاولة الحوار، ورحت أرتّب آخر الأفكار استعداداً للحظة الحقيقة.. التلفزيونية.

قبل 15 دقيقة تقريباً من انطلاق المقابلة، أخذ «السيد» مكانه على الطاولة مزوّداً ببعض الأوراق التي تحوي أرقاماً وتواريخ سيستعين بها لاحقاً في الحلقة. وكان لافتاً للانتباه، حرصه على أن يتابع شخصياً، مع التقنيين، بعض التفاصيل المتعلقة بالصورة والإطلالة، وصولاً الى «جهاز التكييف» الذي طلب رفع درجة تبريده.

بقيت دقائق تفصلنا عن الهواء، ولا بدّ من استثمارها بالقدر الممكن.

دخل الشخص المولَج بالضيافة حاملاً صينية تتوزّع عليها أكواب الشاي والليموناضة التي ارتفعت شعبيتها مؤخراً، فيما كنت أستفسر من «السيد» عن سر قراره بالظهور الإعلامي في ثاني أيام العيد تحديداً، فأوضح أن هناك اعتبارين أساسيين وراء هذا التوقيت، الأول، يتصل بالتطورات الميدانية والسياسية المتسارعة في الملف السوري، والثاني، يعود إلى كون موعد برنامج «حديث الساعة» هو الجمعة.

وحين سألته عما إذا كان يتابع البرامج السياسية، أجاب بأنه يشاهدها أحياناً، أو يكتفي بمقتطفات منها، «وفي بعض الأوقات أرصد فقط الشريط الإخباري في أسفل الشاشة، خصوصاً عندما أكون في انتظار وصول ضيفٍ ما..».

.. عند الثامنة والنصف بالضبط، خرج «السيد» من الظلّ الى الضوء، وكانت حلقة الساعات الثلاث والدقائق العشر، الحافلة بالرسائل والمواقف على صعيد لبنان وسوريا والمنطقة.

بعد المقابلة التي تجاوزت سقفها الزمني الأصلي، بمَونة «السيد»، التقط الحاضرون الصور مع نصرالله الذي لم يفته أن يطلب، وهو يغادر، إبلاغ سلامه الى كل الذين طلبوا منّا نقل تحياتهم إليه، وهم كثر، ضاقت بأسمائهم الورقة التي تسلّمها مساعد «السيد».