IMLebanon

هكذا أرى المرحلة المُقبلة

عامان وخمسة أشهر مرّت على شغور منصب الرئاسة الأولى، فترة كانت من أصعب الفترات في تاريخ لبنان الحديث على الصعيدين السياسي والإقتصادي. اليوم وبعد ملء هذا الشغور بإنتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وتكليف الرئيس الحريري مهام تشكيل الحكومة، تظهر المرحلة القادمة كمرحلة الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان وإقتصاده.

لم تكن فترة الشغور الرئاسي بفترة طبيعية في تاريخ لبنان، إذ أدّى هذا الشغور إلى شلّ الحياة السياسية والإقتصادية من خلال شلّ عمل المؤسسات الدستورية. هذا الوضع المؤذي تزامن مع ظهور ظاهرة جديدة إسمها «الصلاحيات الرئاسية للوزير»، ظاهرة أشبه بهرطقة قانونية ودستورية أوقفت العمل بكلّ المشاريع والقرارات الحيوية للإقتصاد.

ترافق هذا الشغور مع إزدياد ظاهرة الفساد وإستفحالها على كل المستويات خصوصًا أنّه في غياب رئيس الجمهورية، لم يعد بإستطاعة الحكومة معاقبة الوزير المخالف أو المدير المخالف… وضع تعيس لدرجة أن هيكلية الاقتصاد البنيويّة أخذت بالتآكل شيئا فشيئا وأصبحت فاتورة هذا الفساد تفوق الـ ٢٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي! أي أصبحنا بذلك على رأس البلدان الفاسدة.

الفترة المُقبلة هي فترة مصيرية للبنان. فمع إنتخاب العماد عون على رأس الجمهورية، أصبح هناك إنتظام لعمل المؤسسات الدستورية، وأصبح

رئيس الجمهورية يفرض أجندة عمل على الحكومة مُتمثّلة بخطاب القسم الذي إحتوى على حيز سيادي، سياسي وإقتصادي. من هنا نرى البعد البنيوي لصلاحيات رئيس الجمهورية والذي هو بعد غير مكتوب في الدستور لكن روحيته موجودة في النصوص.

يأتي تكليف الرئيس سعد الحريري كخطوة إيجابية في إتجاه الإهتمام أكثر وأكثر بالشق الإقتصادي والإجتماعي للّبنانيين. فالرئيس الحريري بكونه الزعيم الأقوى سنّيًا يستطيع معالجة بعض المواضيع الحسّاسة كالعلاقات مع دول الخليج التي تضرّرت نتيجة تدخّل حزب الله في الآتون السوري، ومُشكلة النزوح السوري وما له من تداعيات كارثية على البنية اللبنانية إن إجتماعيًا، إقتصاديًا، أو حتى على صعيد الهويّة.

من هذا المُنطلق، نرى أن أمام هذا العهد الجديد، تحدّيات جمّة يجب معالجتها والإستفادة من التكتّل السياسي الموجود حاليًا وتحويله إلى إجماع إقتصادي نظرًا إلى خطورة التحديات وعلى رأسها الإستحقاقات المالية القادمة للدّولة اللبنانية.

العام ٢٠١٧، سيشهد إستحقاقات دين عام تُقارب الـ ٨ مليار دولار أميركي. إستحقاقات من الصعب، أقلّه تقنيًا، مواجهتها. فهذا المبلغ الذي يتوجّب على الحكومة اللبنانية إقتراضه من الأسواق، يطّرح مُشكلة إستعداد الأسواق لإقراض الدولة اللبنانية مبّلغ يفوق الـ ١٨٪ من الناتج المحلّي الإجمالي مع الأخذ بالإعتبار المشاكل التي تواجه الاقتصاد اللبناني وتراجع الإيرادات وتزايد الإنفاق.

هذا الموقف الذي سيتكرّر في العام ٢٠١٨، يطرح تحدّيين أمام رئيس الجمهورية وأمام الحكومة العتيدة: الأول يتمثّل بمصداقية الفرقاء السياسيين مع رئيس الجمهورية ومدى توفّر الخبرة والمعرفة اللازمة لتخطّي هذه المواقف.

وإذا سلّمنا جدلًا أن هذه الشرطين توفرا، نرى أن الحكومة العتيدة تحتاج إلى خطّة سياسية-إقتصادية-لامركزية تؤمّن الثقة بالإقتصاد وتسمّح بإيجاد حلول مُستدامة لعدد من المشاكل المُزمنة:

أولا- تداول السلطة: يبقى تداول السلّطة – أهم رمز في الديموقراطيات – العقبة الأساسية أمام حُسن سير الحياة السياسية والإقتصادية. إذ أظهرت التجارب الماضية أن كلّ الأزمات أتت كنتيجة لعدم قدرة الطبقة السياسية على تداول السلطة في ظلّ إحترام الدستور والقوانين المرعية الإجراء. من هذا المُنطلق يأتي قانون الإنتخاب كعقبة أساسية أمام هذا العهد لتحقيق التداول في السلطة خصوصًا لمجلس نيابي مدّد لنفسه مرتين.

ثانيا- حياد لبنان: إن عزل لبنان عن مُحيطه المُلتهب والذي طالب به مجلس الأمن بُعيد إنتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، وطرح الموضوع في خطاب القسم لرئيس الجمهورية، هو عزل مُزدوج أي يجب منع الأخرين من التدّخل في شؤون لبنان الداخلية كما ومنع اللبنانيين من التدخّل في شؤون البلدان الأخرى الداخلية.

وهذا الأمر يشّمل مُشاركة حزب الله في الحرب الداخلية في سوريا. وهنا نطّرح السؤال إذا ما كان قدّ آن الآوان أن ينخرط في الإستراتيجية الدفاعية الوطنية والإنغماس الكلّي في الحياة السياسية وبناء الدوّلة اللبنانية.

ثالثا- الخطّة الإقتصادية: لقد كنّا من السبّاقين في طرح خطّة إقتصادية تسّمح بإعادة الزخم إلى الحياة الإقتصادية اللبنانية كما جاءت في خطاب القسم لرئيس الجمهورية.

لكن إنغماس حكومة المصلحة الوطنية في المشاكل السياسية والإجتماعية لم يسمح بدراسة هذه الخطة وإقرارها. في كل الأحوال إن أي خطّة سيتمّ وضعها يجب أن تشمل تحفيز الإستثمارات وحماية سوق العمل اللبناني إضافة إلى إصلاح هيكلي في الإقتصاد لإمتصاص العجز المُزمن في الميزان التجاري.

رابعا- الإصلاح المالي: يبقى الوضع المالي للدولة هو الحلقة الأضعف في المنظومة الإقتصادية – المالية. فبين العجز المُزمن في الموازنة، العجز في الميزان الأوّلي، والعجز في ميزان المدّفوعات، تفتقد المالية العامّة إلى هوامش تحرّك مع تحوّل العجز إلى دين عام وبالتالي فقدان السياسة المالية لأي قدّرة على المبادرة ناهيك عن الخطر الُمتربّص بالتصنيف الإئتماني للبنان والذي يمنع لبنان من اللجوء إلى الأسواق المالية العالمية والإكتفاء بالسوق الداخلي مما يُعرّض القطاع المصرفي إلى خطر التعرّض للديون السيادية.

خامسا- العصر النفطي: إن البعد الإقليمي والدولي للّملف النفطي يفرض وجود رئيس جمهورية يسمح للبنان بالتكلّم بصوت واحد. هذا الملف الذي يُعتبر رافعة إقتصادية مُهمّة للبنان، يبقى رهينة مُحاصصات حيث تفتقر القوانين والمراسيم المُتعلقة بها إلى الشفافية المطلوبة في ملف يُعتبر حيويا في منظومة الأمن القومي.

من هذا المُنطلق، نتمنّى على العهد الجديد التعامل بجدّية أكبر وشفافية أوضح مع هذا الملف الذي قد يرفع مُستوى معيشة اللبناني إلى مستويات نظيراتها الأجنبية.

سادسا- اللامركزية: أثبتت الأحداث الماضية من أزمة النفايات إلى المشاريع الإنمائية في المناطق عجز الإدارة المركزية عن تنفيذ مشاريع إنماء مناطقية تمحي الفقر المُستفحل في بعض المناطق كعكّار وطرابلس والبقاع.

من هنا تأتي اللامركزية لتكون الحلّ المنطقي والطبيعي، كما ورد في خطاب القسم لرئيس الجمهورية، لهذه المُشكلة وذلك من خلال خلق سلطة محليّة أكثر شفافية من السلطات المحليّة الحالية والتي خلقت منظومتها الخاصة بها.

في الختام، لا يسعنا القول إلا أننا على ثقة أن هذا العهد سيقوم بالخطوات اللازمة التي تسمح للبنان بعبور الإستحقاقات التي يواجهها وترفع من مُستوى المُجتمع اللبناني الإقتصادي والإجتماعي. ونتعهّد بعمل كل ما في وسعنا لتحقيق هذه الأهداف.