الجنرال ميشال عون، أو «العماد» ميشال عون، إليه اليوم تتّجه الأنظار والأفكار، على أنه المفتاح السحري لإنقاذ رئاسة الجمهورية من الفراغ المسحور، والمدى اللاّمنظور.
والعماد حسب القاموس: «هو ما يُسْنَدُ بهِ، ويُتَّكَأ عليه ويُتَّكل». وللمزيد من التوضيح يقول القاموس: «أنت عمْدَتُنا في الشدائد»… «وأنت رفيع العماد»… أي شريف.
من وحي هذا التفسير للمعاني والكلمات… ومن وحي هذا الفراغ الخطير لرئاسة الجمهورية، وهذا الإنحطاط الماروني العسير الذي يلْهَثُ متقهقراً في ذيْل التاريخ.
يصبح من المحتّم الملحّ أن يتكلم العماد عون، وأن يرمي من فمه الحصى حين تُسَدَّدُ إليه سهام الفراغ الرئاسي، فإن هو ظلّ يتلقّى السهام صامتاً، يكون كمن يعترف بأنّه المعطِّل الأساسي للكرسي الماروني الرئاسي.
نحن نعلم، أن العماد ميشال عون اكتسح على دورتين إنتخابيتين الأصوات المارونية في أبرز معاقلها في الجبل، بما عجز عن مثله أقطاب الموارنة التاريخيون: كميل شمعون، بيار الجميل، ريمون إده، ليس لأن الجنرال هو الرجل الماروني الفرد الذي عزّ له نظير، بما اكتسب من أصالة في الزعامة، وتفوُّق في الثقافة ومن كنوز في المعارف والعلوم.
بلْ، لأن الموارنة بسوادهم الأعظم أرادوا أن يثأروا من زعمائهم وقادة أحزابهم بما ارتكبوه من معاصٍ، وما أوقعوه من مآسٍ، وما أشعلوا من انتفاضات مارونية دموية، فنصّبوا العماد ميشال عون زعيماً على الزعماء ليتفوق وحيداً على الأحزاب المارونية مجتمعة: الكتائب، والقوات، والوطنيين الأحرار، والكتلة الوطنية، بالإضافة الى حزب بكركي، وهذا طبعاً ليس حبّاً بمعاوية بل نكاية بعلّي.
ولكنّ الواقع اليوم، قدْ يختلف كثيراً عما كان عليه من قبل، لأنّ الأجيال التي شبّت كانت تنهل الحليب معلَّباً، يوم كان الآباء يأكلون حصرم الأحزاب، والأبناء الذين كانوا «يضرسون» منهم من فرّ اليوم مع الآباء الى بلاد الخارج، ومنهم من فرَّ الى خارج السياسة، ومنهم من فرّ الى خارج الحياة.
إنها الفرصة التاريخية السانحة التي يقول فيها العماد عون كلمته، وهي أن يتكلم على «أحد»، وليس على «اللاّ أحد»، على أحدٍ مستقل من خارج الإصطفافات المفخّخة. وإذ ذاك، يستطيع الجنرال أن يؤكد جلوسه على كرسي الزعامة المارونية في موازاة كرسي قصر بعبدا، ويستحق أن يكون «عماداً في الشدائد» المارونية، وأن يكون «رفيع العماد» كما جاء في القاموس.