IMLebanon

هكذا يبدو المشهد السياسي في رأس السنة 2014: عام مُظلم تخلّلته نقاط مضيئة

في إحدى الطرائف الشعبية اللبنانية الناجمة عن “شر البلية ما يُضحك”، أن الشعب اللبناني دائماً “مبسوط” سعيد ومتجدد نتيجة مفاجآت مستمرة تكسر الروتين وتبعد الملل، فإذا جاءت الكهرباء يفرح، وإذا لم تنقطع المياه – ولها سوابق حتى في عز الشتاء – يفرح، وإذا لم تقطع الطرق بالدواليب أو نتيجة تبادل اطلاق نار في مكان ما لأسباب تافهة، فهو بالطبع سيكون سعيداً، وهكذا دواليك، اللبناني في تجدد دائم وهو دائماً “مبسوط”، ولكن، كما يقال في العامية “يبيعونه من كيسه” وما يأخذه من خدمات متقطعة للدولة، إذا وُجدت، هو من أبسط حقوقه البديهية! وكما في الحياة اليومية، كذلك في السياسة: عندما يجتمع طرفان مختلفان يفرح، وعندما لا يحصل اشتباك حزبي أو عشائري أو على المحاور المستحدثة “غب الطلب” شمالاً وجنوباً وبقاعاً وساحلاً وجبلاً يفرح أكثر فأكثر، ويكاد المواطن اللبناني أن يكون الوحيد في العالم الذي لا يريد من سياسييه وحكامه والمتحكّمين في أمره، سوى أن يكفّوا شرهم عنه وأن يتفقوا في ما بينهم، -وهم المتفقون دائماً على حماية مصالحهم وحساباتهم الانتخابية والشخصية – أقلّه على عدم إيذاء الناس بخلافاتهم!

ولأن عام 2014 لم يكن خيراً على لبنان – وعلى المنطقة بشكل عام – فإن طموح اللبنانيين ألا تكون السنة الجديدة كذلك، أو أسوأ.

وللذكرى، تلك هي العناوين المحلية السريعة للعام 2014 سياسياً وأمنياً: فشل الطبقة السياسية في انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة تواطؤ وحسابات بين بعض رؤساء الكتل النيابية وامتداداتهم الخارجية… التمديد لمجلس النواب للمرة الثانية بعد تمديد أول، سنتين ونيفاً، وبذلك يكون قد مدد لنفسه ولاية كاملة مدفوعة المصاريف… “إفادات” بدل الشهادات الرسمية (البريفيه والبكالوريا) و”حفلة” تفرغ لأكثر من ألف استاذ في الجامعة اللبنانية تخلّلها الكثير من الغبن والغش باعتراف مسؤولين كبار، ولم يُعرف ما إذا كانوا قد استوضحوا وزير التربية “الأسباب الموجبة”… وثورة بيضاء نظيفة قادها وزير الصحة وائل أبو فاعور بدعم من رئيس كتلته النيابية وليد جنبلاط، على الفساد والمفسدين في المجالين الصحي والغذائي وامتدت “عدواها” إلى وزارات أخرى، ويفترض أن تشمل الجميع وأن تستكمل وألا يُهزم أبو فاعور أمام مافيا تحالف المال والسلطة… تلك “الثورة” والتي امتدت إلى وزارات الزراعة والاشغال والمال والصناعة وربما غيرها، شكلت نقطة مضيئة في سنة لم تشهد سوى الظلام، والظلام الآخر المستمر منذ نحو ربع قرن بفضل الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة، وكذلك بفضل المديرين العامين القيمين على “شركة الكهرباء”…

ولعل المشهد الأسوأ والاشد كارثية في سنة 2014، إلى استشهاد ضباط ورتباء وعسكريين في الجيش وفي سائر القوى الأمنية، كان وقوع 31 عسكرياً في الأسر في جرود عرسال، وإقدام المسلحين الخاطفين في ما يسمى “داعش” و”النصرة” على قتل أربعة منهم، هم الشهداء علي السيد، عباس مدلج، محمد حمية وعلي البزال، وأفضل عيدية يمكن أن تقدم لأهالي المخطوفين وللشعب اللبناني عموماً، هي اطلاقهم في أسرع وقت، وللمناسبة، من حق عائلات العسكريين المخطوفين وبالتأكيد عائلات الشهداء أن يعرفوا حقيقة ما حصل ومن يتحمل المسؤولية المباشرة والمعنوية على الأقل!

وإذا كان المشهد السياسي في الأيام الأخيرة من السنة التي تنتهي منتصف هذا الليل قد أقفل على خطوة ايجابية، وهي بداية الحوار بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، فإن تلك الخطوة، يمكن ان تشكل، في حال استكمالها بجدية وصراحة وصدق، بداية انفراج حقيقي يؤول إلى حوار وطني وتفاهم يضع حداً للواقع الشاذ وغير الطبيعي الذي تعيشه البلاد منذ عقد من الزمن، كما أقفل العام على “بشائر” حوار ثنائي آخر بين المرشحين الرئاسيين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وتكمن أهمية أي حوار، بدأ أو سيبدأ، في استمراريته وجديته، وإلا لن يكون سوى “نوبة” عابرة أملتها الظروف في مكان ما!

ولئن يكن “الموت حق” في كل الأعراف والأديان، فإن غياب رموز أدبية وفنية شكل عنواناً بارزاً عام 2014، فقد شهد غياب رمزين تاريخيين في الحياة اللبنانية والعربية هما الشاعر الكبير سعيد عقل والفنانة الكبيرة صباح، كما شهد غياب الكتاب والشعراء المميزين، جورج جرداق، أنسي الحاج، جوزف حرب، وربما غياب آخرين بعيدا من الاضواء، وها هو العام يقفل “سياسياً” على ساعات حرجة وحاسمة ودقيقة يمر بها الرئيس عمر كرامي، وفي النهاية، الأعمار بيد الله…

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل…

تلك هي حال اللبنانيين في رأس السنة!