لم تشذ مقابلة الامين العام لحزب الله عن المسار العام الذي كانت تحدثت عنه التسريبات منذ اسبوع وحتى الامس، اذ صبت في السياق الاستراتيجي ذاته الذي يتعامل به حزب الله مع التطورات سواء في الداخل او الخارج، في ظل ارتفاع منسوب التهديدات من عملية اسرائيلية تزامنا مع العقوبات الاميركية والعربية التي تستهدفه، والتي بحسب مصادر في 8 آذار قد بلغت اوجها.
ورغم انهماك الحزب في «معمودية الدم السورية» محققا الانجازات، احتلت قضية «المواجهة المفتوحة» مع اسرائيل الحيز الاوسع من المواقف التي أطلقها السيد حسن نصرالله في مقابلته التلفزيونية، مهددا تل ابيب باسقاط كل الخطوط الحمر في اي مواجهة مقبلة، في صياغة جديدة لعبارته الشهيرة «ما بعد بعد بعد حيفا»، مشرعا حق «الحزب» بضرب أي هدف في إسرائيل بما في ذلك المفاعلات النووية في حال شن أي حرب على لبنان، معتبرا أن أي حرب إسرائيلية على لبنان ستكون بمثابة مغامرة وستكون نتائجها مجهولة بالنسبة للإسرائيليين والأميركيين».
واذا كان مع كل اطلالة تلفزيونية للامين العام اكانت مقابلة او مشاركة عبر الشاشة في افطار او مناسبة او مهرجان، ينطلق بالتوازي معها سباق بين الداخل والخارج، يخص البحث عن الجديد في المواقف، واسباب اختيار التوقيت للظهور، ليليها محاولة الخصوم البحث بين كلماته عن «زلات» تدينه للبناء عليها وتهشيم صورته وصورة حزبه، فيما تأخذ اسرائيل بجدية متناهية كل تفصيل يقوله وتبني على الشيء مقتضاه اثر كل معادلة يبرع في تقديمها في الزمان والمكان المناسبين.
فمقابلة «الميادين» التي حازت اهتمام وسائل الاعلام الاسرائيلية،ونقلت مواقفها غالبية المواقع الصحفية الإسرائيلية، اعتبرت تهديداتها لإسرائيل بمثابة «قفزة كبيرة وليست مجرد ارتقاء درجة في مستوى التهديدات»، اذ قال محلل الشؤون العربية في القناة الثانية الإسرائيلية ايهود يعري، «إن السيد نصرالله في هذا الوقت لا يرتقي درجة في مستوى التهديدات تجاه إسرائيل، إنما قام بقفزة كاملة»، مضيفا «في هذه اللحظات بالذات قال نصرالله إنه في إسرائيل لا يوجد فقط خزانات أمونيا قرب حيفا في المصانع البتروكيماوية التي تستخدم الأمونيا، بل يوجد في إسرائيل عدة مفاعلات نووية ولدينا مخازن أسلحة نووية، ومنشآت تخزن نفايات نووية ومخازن رؤوس حربية نووية وما إلى ذلك»، ناقلا كلام السيد عن المنشآت الإسرائيلية التي يملك حزب الله لائحة كاملة بها وبمواقعها، قائلا «في حال اندلاع حرب سوف نضرب هذه الأهداف بالصواريخ الدقيقة الموجودة لدينا»،مشيرا الى إن «هذا يعني أنه لا يتحدث عن خزانات الأمونيا بل عن محاولة لضرب مواد نووية موجودة أو غير موجودة في إسرائيل، وقال إن لبنان سيدفع ثمناً للحرب لكن إسرائيل ستدفع ثمناً أكبر «خاتما بأن «نصرالله قال لنا إن إمكانية الحرب لا تبدو قريبة، لكنه ترك لنا التهديد لنفكر به». فيما قال موقع القناة الثانية الإسرائيلية إن نصرالله هدد إسرائيل بأنه لن يكون لدى حزب الله خطوط حمراء في أي حرب مقبلة مع إسرائيل.
في المقابل استوقفت المواقف التصعيدية، مصادر في الرابع عشر من آذار التي رأت فيها أنها «ليست موجهة فقط الى اسرائيل، بل يريد منها «الحزب» توجيه رسالة الى الداخل أيضا، يقول فيها انه لا يزال يتمتع بكامل صفات «المقاوم» وان الحروب التي يشارك فيها في ميادين عديدة من سوريا الى العراق فاليمن، والتي غيّرت صورته لدى شريحة واسعة من اللبنانيين والعرب، حتى وصفه بعضهم بالارهاب، لم تنسِه مواجهته الاساس مع اسرائيل ومقاومتُه مستمرة ضد أطماعها. والهدف الاساس من محاولة تصويب البوصلة الذي سعى اليه السيد نصرالله، هو في الواقع، التحضير لانسحابه من سوريا. واشارت المصادر الى انه خلافا لما كان يتوقعه نصرالله، لم يحقق محور الممانعة الذي ينتمي اليه الحزب اي انتصارات ملموسة لا في سوريا ولا في اليمن والعراق، وبالتالي، وبغية تغطية عودته الى لبنان «خائباً»، يسعى اليوم الى رفع نبرته في وجه اسرائيل وارتداء عباءة «المقاومة» مجددا، علّها تجمّل صورته أمام الرأي العام اللبناني عموما وقاعدته الشعبية خصوصا، مبدية تخوفها من ان تكون عودة «الحزب» الى لبنان من بوابة الجبهة الجنوبية تحت ستار مواجهة اسرائيل، او الشرقية تحت عنوان محاربة الارهاب، مستغربة العودة الى نغمة معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي سقطت مع اقحام الحزب نفسه في الحرب السورية وانخراطه في معارك لا علاقة للاسرائيليين فيها، معتبرة ان محاولة اعادة بث الروح في شرايينها مقدّمة لضمان عدم وضع سلاحه وموقعه تحت المجهر في المرحلة المقبلة في ظل التغيرات الاقليمية التي تصب في غير مصلحة المحور الذي ينتمي اليه، والذي قد يشكل الحوار الثنائي الاسلامي-الاسلامي والصفقات التي يجري الحديث عنها من سلة كاملة، احد اوجهها.