IMLebanon

هكذا أحْنَت معراب رأسَها للعاصفة وستنتقم!

 

يقولون في «القوات»: إنها انتكاسة صغيرة في معركة، لكنّ الحرب مستمرّة. فأمامنا 4 سنوات، وهي مدّة كافية جداً لتعويض الانتكاسة. خُذوا مِنّا وعداً بأنّ الذين خطّطوا لإحراج «القوات» وإخراجها، والذين استاؤوا من قبولها المشاركة سيكتشفون أنهم لم يربحوا شيئاً، بل تضرّروا. وليتذكَّروا أنّ محاصرتها في الانتخابات النيابية الأخيرة هي التي رفَعت كتلتها النيابية من 8 نواب إلى 15!

 

أمضت معراب 48 ساعة صعبة قبل أن تُعلِن قبولها المشاركة في الحكومة، بالصيغة الضعيفة المعروضة عليها. وكان كلام النائب جورج عدوان، قبل ساعات، قد أوحى بأنّ الأرجحيّة هي لعدم المشاركة، وعليه بنى كثيرون توقعاتهم.

 

لكنّ العَالِمين كانوا يدركون أنّ «القوات» لن تكرِّس الخطأ وتحقّق لخصومها ما أرادوا، أي الخروج من الحكومة تماماً وإراحتهم من «مشاغبتها» داخل مجلس الوزراء. وتمّ التداولُ في اجتماعات معراب المكثّفة في الخسائر التي ستتكبَّدها «القوات» من مغادرة الحكومة لـ4 سنوات، يتمّ خلالها إقرارُ خيارات حاسمة، بل مصيرية، على المستوى السياسي.

 

يتذكّر هؤلاء تجارب المقاطعة والإبعاد والابتعاد منذ «إتفاق الطائف»، والتي كانت كلها مؤذية. ويتحدثون عن نموذج حزب الكتائب الذي خرج من الحكومة قبل الانتخابات الأخيرة، واكتفى بالإعتراض من الخارج، وها هي كتلته النيابية تتقلّص من 5 إلى 3، ولم يفكّر أحد في إشراكه في الحكومة.

 

لذلك، انطبق المثل على وضعية «القوات»: «ما مِتِتْ، ما شِفت مين مات»! وتقرَّر بعد التداول أن تستفيد «القوات» من المكاسب المطروحة عليها، ضمن الوزارات الـ4 والحقائب الوزارية الـ3، وهي «ليست نَكِرة» في أيّ حال، كما رأى البعض، ويمكن تطويرها. وهذا ما قصده الدكتور سمير جعجع بالمَثَلين اللذين أوردهما: «لا وزارات حقيرة في ذاتها، ولا كراسي هامشية في ذاتها».

 

إذاً، تقريباً كان محسوماً أنّ «القوات» ستتّخذ قرارها بالمشاركة. وما سرّبته مصادرُها وأوحى به عدوان لم يكن سوى محاولة أخيرة للضغط ورفع السقف، لعلّ المعنيين بالتأليف يجدون مخرجاً أفضل. لكنّ الخيارات كانت قد أُقفِلت عملياً.

 

في الحكومة المقبلة، يمكن أن تشارك «القوات» بفاعلية في إقرار المشاريع ذات الطابع الحيوي، ولا سيما منها المتعلّقة بمؤتمر «سيدر» وما سيتبعه، وتساهم في رسم الخيارات الاستراتيجية للدولة في مرحلة حسّاسة من تاريخ الشرق الأوسط. وسيكون لها دورُها في مواجهة الفساد.

 

والأهم، خلال هذه الفترة، ستتمكّن من حماية مناصريها الذين قد يتعرضون للاضطهاد والإبعاد عن الإدارة والأجهزة. وستساهم في صوغ قانون الانتخاب المقبل، الذي على أساسه ستجرى الانتخابات النيابية في ربيع 2022، وتحقّق مزيداً من النموّ في كتلتها النيابية، وتالياً، سيكون دورُها وازناً في اختيار رئيس الجمهورية المقبل، خريف 2022.

 

كل هذه الاستحقاقات استحقّت أن تقول «القوات»: «نعم»، وإن يكن هذا الزواج زواج مصلحةٍ أو إكراه. فهي تعلّمت أن تكون أكثرَ براغماتية، مع الاعتراف بأنّ هناك خللاً معيّناً ربما وقع في عملية التفاوض على الحقائب، منذ البداية.

 

في أيّ حال، يُقال في «القوات»: «سيدفعون ثمن الطمع. واليوم، نحن تحرَّرنا من آخر التزامات المسايرة والمهادنة التي حافظنا عليها دائماً في الحكومة السابقة. وسيرون وجهَنا الآخر في الحكومة المقبلة».

 

والواضح أنّ «القوات» تستعدّ اليوم للانطلاق في نهج اعتراضي أكثر حزماً في الحكومة المقبلة. ويقوم هذا النهج على الآتي:

 

تعرّضت «القوات» في الأشهر الأخيرة من عمر الحكومة السابقة (حكومة تصريف الأعمال) لحملة محورها وزارة الصحة. وهذه الوزارة لم تعد اليوم في يدها. وعموماً، لم تعد لـ«القوات» حقائب مُهمّة يمكن التصويب على أدائها فيها (نائب رئيس الحكومة والثقافة والشؤون الاجتماعية والعمل). ولذلك هي باتت قادرة على أن تحاسِب ولا تحاسَب.

 

ولذلك، ستكون «القوات» أكثرَ تشدّداً في مواجهة الفضائح وكشف الفساد. فلا شيء لديها لتخسره في السنوات الـ4 المقبلة. وعملياً، يمكنها إحباط وزراء «التيار الوطني الحر» إذا تجاوزوا ضوابط الشفافية كما فعلوا أحياناً في الحكومة السابقة.

 

وستحاذر «القوات» أن توحي بأنها تقوم بإحباط العهد، ما دام يقف على مسافة متوازنة من الجميع. لكنّ التحامَ العهد في المعركة إلى جانب «التيار» من شأنه أن يدفع «القوات» إلى مواجهة الطرفين معاً. وعندئذٍ، سيصعب التمييزُ بينهما.

 

وانتقاد جعجع للجهة التي تستفيد من امتلاكها «التوقيع» على الحكومة، للضغط على «القوات»، هو إشارة واضحة في هذا الاتجاه. ويمكن أيضاً أن يطاول الانتقاد فريق الحريري – مثلما جرى سابقاً- إذا استمرّ نهج التعاون السابق مع الوزير جبران باسيل في إدارة المشاريع.

 

والمعارك التي تستعدّ لها «القوات» تحمل عناوين الشفافية في قطاعات الكهرباء والنفط والسدود والتعيينات في الإدارة والأجهزة، وهي معارك بدأتها في الحكومة السابقة. وأما الشفافية في المشاريع التي أقرّها مؤتمر «سيدر» فهي أحد الشروط الدولية لتقديم الدعم للحكومة اللبنانية. وثمّة هامش لنائب رئيس الحكومة «القواتي» في هذا المجال، انطلاقاً من ترؤسه اللجان الوزارية المعنيّة.

 

والأرجح، بعد زوال موجة التحدّي الحالية، أن تجد «القوات» قوى تتقاطع معها مصلحياً في مجلس الوزراء المقبل، كما حصل في الحكومة السابقة، وسيتحالف معها المتضرّرون من عون و«التيار» ظرفياً: فرنجية، جنبلاط، بري، «حزب الله». وسيكون هناك انعكاسٌ للمصالحة بين «القوات» وفرنجية الساعي إلى أن يحظى بدعم جعجع مرشحاً رئاسياً.

 

إذاً، صورة الوضع المسيحي في الحكومة المقبلة، أي في الأعوام الـ4 الباقية من العهد، باتت واضحة. فمن العلامات البارزة أنّ القوى المسيحية باتت تسيطر اليوم على الغالبية الساحقة من المقاعد الوزارية المسيحية الـ15 (14 مقعداً ومقعد واحد للحريري). وفوق ذلك، يرئس مجلس الوزراء رئيسٌ للجمهورية جاء من قاعدة شعبية مسيحية. وهذا إنجاز غير مسبوق للتمثيل المسيحي.

 

ولكن مقابل هذه الإيجابيات، هناك شرذمة كاملة للموقف المسيحي، يقابله تماسكُ الشيعة تماماً، وتماسكُ السنّة والدروز نسبياً. ويستحيل أن يتزاوج «حسن التمثيل» المسيحي مع «حسن التنسيق» المسيحي. فما يربحه المسيحيون هنا يخسرونه هناك. ويبدو أنّ تراجيديا النزاع المسيحي مكتوب لها أن تستمرّ… حتى آخر مسيحي في لبنان وسائر المشرق!