IMLebanon

كي لا يصبح العرب «ديكوراً» للاحتلال الإيراني لسوريا

 

 

كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن ضرورة عودة العرب إلى سوريا، أو عودتها إليهم وإلى الجامعة العربية، لكن المؤكد أنه لن يحصل أكثر مما حصل من إقدام بعض الدول على فتح سفاراتها في دمشق، ومن دون أن تكون هناك حتى الآن خطوات جدية وفعلية في هذا الاتجاه، فالكل بانتظار قمة تونس المقبلة التي هناك مخاوف حقيقية من أن تكون نسخة أخرى عن قمة بيروت الاقتصادية البائسة التي أكدت، إنْ من خلال حضورها ومستوى المشاركة فيها، وإنْ من خلال قراراتها، أن إيران باتت لاعباً رئيسياً في هذه المنطقة، إنْ مباشرة، وإنْ من خلال أتباعها كنظام بشار الأسد و«حزب الله» وحزب الرئيس اللبناني ميشال عون ووزير خارجيته (صهره) جبران باسيل الذي وصل إعجابه بحسن نصر الله إلى حد قوله إنه ينظر إليه كـ«قديس»!!

وحقيقة إنَّ إلحاح بعض الدول العربية على هذه المسألة يستند سابقاً إلى حجة مقبولة ومعقولة، وهي أن الأميركيين كانوا يسعون لعملية تغيير في المنطقة العربية كلها، وأنهم كانوا يرون أن «الإخوان المسلمين» هم الأكثر تأهيلاً للقيام بهذه المهمة على اعتبار أنهم واقعيون ومعتدلون، وأنهم الوحيدون القادرون على مواجهة الحركات الإرهابية المتطرفة التي تتستر بالإسلام، والتي أصبح اسمها لاحقاً «دولة الخلافة»، أي «داعش» الحالية التي لا يزال لها بعض الوجود في سوريا وفي العراق وفي بعض دول شمال أفريقيا العربية.

وهنا وفي هذا المجال، فإن المعروف أن استبدال القيادي الإخواني محمد مرسي بمرشح الرئاسة المصرية الليبرالي أحمد شفيق كان لعبة أميركية، وعلى هذا الأساس، كان من الممكن أن ينتقل هذا إلى دول عربية أخرى كتونس، ومن خلال حزب النهضة الإسلامي بقيادة راشد الغنوشي الذي هناك اعتقاد يصل حد اليقين بأنه لا يزال أحد قادة «التنظيم العالمي للإخوان المسلمين» ومثله مثل الدكتور يوسف القرضاوي ومثل خالد مشعل وأيضاً مثل رجب طيب إردوغان، الذي بات لديه اعتقاد جازم بأنه سيستعيد أمجاد الخلافة العثمانية، وأنه سيكون خليفة المسلمين في القرن الحادي والعشرين.

وهنا فإن المؤكد أن الأميركيين كانوا قد انتدبوا قطر ممثلةً لهذه الحالة القائمة الآن، ومعها بالطبع تركيا إردوغان وتنظيم «الإخوان المسلمين» بكل فروعه وتشكيلاته وهيئاته، وفي كل مكان، للقيام بهذه المهمة، وأنه كانت هناك محاولات جدية لتسليم الوضع العربي كله، بما في ذلك وضع سوريا، لهؤلاء، وأنه لولا الحركة المباركة فعلاً التي قام بها الشعب المصري وأغلبية أحزاب مصر مدعومين من قبل القوات المسلحة المصرية، لكان «الإخوانيون» يهيمنون الآن على الكثير من الدول العربية، إنْ في مشرق العالم العربي، وإنْ في مغربه، ولهذا فإنه علينا أن ندرك لماذا قامت حركة «حماس» بانقلابها الدموي في عام 2007 على منظمة التحرير و«فتح» والسلطة الوطنية الفلسطينية.

ولذلك وبعد أن حصل في سوريا ما حصل في عام 2011، وبات نظام بشار الأسد بحكم «الساقط»، وقبل بالتدخل الإيراني المبكر وبالتدخل العسكري الروسي في عام 2015، فإنه كانت هناك مخاوف حقيقية من أن يقع هذا البلد المحوري والرئيسي في أيدي «الإخوان المسلمين»، بخاصة بعد انضمام رجب طيب إردوغان إلى قطر ومن معها وتفتيته للمعارضة الوطنية السورية، وتسليم هذا الملف كله لـ«الإخوان» السوريين الذين ما كان لهم وجود فعلي بعد تلك الضربات التدميرية التي كان نظام الأسد الأب قد وجهها إليهم، إنْ في حماة وإنْ في حلب وإنْ في سوريا كلها.

والواضح الآن، وقد استجدت معطيات كثيرة، أن الأميركيين ما عادوا يراهنون على «الإخوان المسلمين» لضبط أوضاع المنطقة ومواجهة التنظيمات الإرهابية، التي من قبيل خداع الناس الطيبين قد دخلت الساحة السورية والساحات الأخرى التي دخلتها رافعة الرايات الإسلامية، والفضل في هذا كله أولاً لمصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ولدول عربية أخرى في مقدمتها المملكة العربية السعودية والأردن، وحيث أصبح «الإخوان» عملياً خارج دائرة الفعل في هذه المنطقة كلها رغم انضمام إردوغان إليهم، ورغم القناطير المقنطرة من الأموال القطرية.

والغريب، لا بل والمستغرب، أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي كانت أزاحته رياح ميدان التحرير، كما هو معروف، كان الأكثر حماساً لعودة العرب إلى سوريا أو عودة سوريا إلى العرب لا فرق، وهكذا فإنه غير معروف إنْ هو وفقاً للتطورات اللاحقة قد غيرَّ موقفه هذا، أم أنه لا يزال متمسكاً به، وذلك في حين أن الأشقاء المصريين كانوا قد أوصلوا إلى الأميركيين، ومرات متعددة، وعلى أعلى المستويات، وبخاصة في عهد الإدارة الأميركية السابقة وأيضاً في عهد هذه الإدارة، أنَّ «الإخوان المسلمين» لا يشكلون قوة رئيسية وفاعلة حقاً في أي بلد عربي، وأنهم وكما ثبت في مصر غير مؤهلين للحكم إطلاقاً في العالم العربي كله، وحتى في تونس، وأنَّ إردوغان قد ظهر على هذا المسرح متأخراً جداً، وأن الأيام المقبلة ستثبت أنه بمثابة فقاعة صابونية وليس أكثر.

وعليه فإن المطلوب الآن هو إخراج إيران بكل ما تشكله من تحديات فعلية وخطيرة للعرب كلهم من سوريا، وهو إلزام بشار الأسد بالقرار الدولي رقم 2254 والحلول التي تم التوصل إليها، وأهمها صياغة دستور سوري جديد، والمرحلة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها، وإلا فإنَّ الاقتتال وعدم الاستقرار سيبقى مستمراً، خصوصاً أن المعارضة بثقلها الفعلي قد تخلت عن وجود المنافي البعيدة والقريبة، وأنها قد نزلت إلى «تحت الأرض»، كما يقال، وبدأت بتنفيذ عملياتها العسكرية على أساس حرب «الغُوار» التي لا يستطيع هذا النظام تحملها مهما استعان بالإيرانيين والروس، ومهما واصل عمليات التهجير للطائفة السنية تحديداً التي زاد عدد مهجريها على العشرة ملايين، وكل هذا من أجل ما كان وصفه رئيس هذا النظام البائس بـ«سوريا المفيدة»!!

ثم وإن المؤكد أن الأشقاء المصريين أكثر من يعرف هذا، وأنهم يعرفون أيضاً أنه من المستبعد أن يحقق كل هذا الضغط الأميركي «الناعم»، وإخراج الإيرانيين من سوريا إنْ كوجود عسكري واستخباري، وإنْ كوجود استيطاني طائفي، وأيضاً فإن ما يجب إدراكه هو أن إيران لن تسمح بأي وجود عربي فعلي في هذا البلد الذي تريد انتزاعه من عروبته، وتلحقه نهائياً بدولة الولي الفقيه، ما يعني أنه لا يمكن التعايش مع هؤلاء المحتلين الذين لا يمكن أن يتخلى بشار الأسد عنهم، حتى وإن ضغط عليه الروس الذين بدأت مصالحهم تتضارب مع المصالح الإيرانية، والذين من الواضح أن خلافاتهم مع رجب طيب إردوغان أصبحت في تصاعد مستمر، وأنها قد تتحول إلى مواجهة عسكرية تحت اسم وعنوان «حزب العمال الكردستاني – التركي» (P K K).

ولهذا وفي النهاية، فإن ما يجب أخْذه بعين الاعتبار هو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد قال «إنه واهم من يعتقد أن بشار الأسد مستعدٌ للتضحية بإيران بعد كل ما حققه بدعم إيراني، وأنه مضيعة للوقت الاشتراط على سوريا ضرورة قطع علاقاتها مع طهران من أجل تطبيع عربي»، وهكذا فإنَّ هذا هو القول الفصل، وإن ما عداه هو أن يصبح الوجود العربي في هذا البلد العربي مجرد «ديكور» لاحتلال إيراني بقي الإيرانيون يحلمون به منذ فترة طويلة… منذ العهد الصفوي المعروف ومنذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي ومنذ بداية هذه الثورة المعممة التي أصر قائدها آية الله الخميني على أن هذا الخليج فارسي وليس عربياً، وأن الجزر الإماراتية الثلاث إيرانية، وهي ستبقى إيرانية، وإنها ليست لا إماراتية ولا عربية!!