أظهرت معركة تحرير الجرود من التنظيمات الارهابية، مدى التفاف الشعب حول جيشه الوطني، ومدى توقه ليراه القوّة الوحيدة على كامل الارض اللبنانية، ومدى اعتزازه بقدرة الجيش وشجاعته وبعمق تدريبه، واهلية ضباطه وقيادته، وعند انتهاء المعركة بنصر محجّل للجيش، انصب اهتمام قيادة الجيش، ومن ورائها جميع اللبنانيين، على الاهتمام بموضوع العسكريين المخطوفين الذين تبيّن انهم استشهدوا اعداماً بربرياً، البعض على يد «جبهة النصرة» والبعض على يد تنظيم «داعش»، وكيف يمكن تكريم تضحياتهم واستشهادهم، فكانت الترتيبات التي شاهدها اللبنانيون في المستشفى العسكري أولاً، وفي وزارة الدفاع ثانياً، حيث اظهر الجيش بمراسم تشييع شهدائه، انه الجيش الأعرق في هذا الشرق، والاكثر تمسّكاً بالقيم العسكرية، وبمبادئ الشرف والتضحية والوفاء، فكان الوفاء الواضح لمن تمسّك بشرفه، ولم يحنِ رأسه للوحوش القتلة، وفضّل الموت والاستشهاد على الحياة خائناً ذليلاً.
هذا الجيش البطل، الذي ينطبق عليه قول الشاعر «يعيّرنا انّا قليل عديدنا… فقلت له إن الكرام قليل» اصبح اليوم الزاوية الصلبة القوية، التي تحمل الوطن وتحميه، ولذلك لم يعد مسموحاً في لبنان وجود طبقة سياسية أقلّ مستوى من الجيش، شرفاً وتضحية ووفاء، كما من غير المسموح ان تستغلّ دماء الشهداء، وغضب أهلهم وقهرهم وخسارتهم، للنيل من خصوم سياسيين.
كشف الحقيقة، حق، ومعرفة ما جرى في بلدة عرسال يوم الاعتداء على عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي، وخطف بعضهم ضرورة لا بدّ منها، و«كبّ» بعض الأسماء من مسؤولين عسكريين ومدنيين، في السوق الاعلامي، وتحميلهم المسؤولية، حتى قبل ان يبدأ القضاء، بتحقيقاته، لا يليق لا بالقضاء ولا بدماء الشهداء، ومن المفيد وطنياً ان تخرس بعض الاصوات، وانتظار كلمة القضاء، وكشف الحقيقة، حتى يرتاح الشهداء في قبورهم. ويرتاح اهلهم.
***
قائد الجيش العماد جوزف عون، اكد في كلمته امس، امام الرؤساء الثلاثة، وامام اهل الشهداء وجثامين ابنائهم، وجميع المدعوين، ان الجيش قادر على مواجهة فلول «داعش» وخلاياه، وعلى مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، واي قول يخالف هذا التأكيد هو قول مشبوه، لا يمت الى مصلحة لبنان بصلة ولكن الجيش لا يعيش في جزيرة معزولة، فهو بين اهله وابناء وطنه، وهو بحاجة الى دعمهم، مثل حاجته الى دعم الدولة. بجميع رموزها معنوياً ومادياً. والى تحييده عن المناكفات السياسية والطائفية والحزبية، ويكون من الافضل الابتعاد عنها نهائياً، خصوصاً في هذه الايام الصعبة، حيث يعاد ترسيم الحدود في دول عربية قريبة وبعيدة، وحيث تقرع اسرائيل طبول الحرب، اما بمناورات على حدودنا الجنوبية، واما بتهديدات متواصلة، واما باختراقها الاجواء اللبنانية في عملية تحدّ وتهديد ليس لبنان فحسب بل جميع الدول المحيطة بها وحتى البعيدة عنها.
لتكن دماء شهدائنا وجرحانا في تراب لبنان المقدس، سبيلاً لتطهيره مما علق به من فساد وحقد وكراهية وعدم ايمان بلبنان الوطن، الذي كان جوهرة هذا الشرق.