مجدداً، ليس صحيحاً أنَّ الإقتصاد اللبناني على شفير الإنهيار، لأنَّه اقتصادٌ متين قائم على دعائم ثابتة وراسخة ليس منذ اليوم بل منذ قرن على الأقل، حين حطت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وبدأ اللبنانيون الذين تسنى لهم الإغتراب، أن يرسلوا مساعدات إلى عائلاتهم وأهلهم.
اليوم، مع المساعدات التي لم تنقطع، هل تساعد الدولة نفسها لتسترد أنفاسها الإقتصادية؟
الأمر ليس بحاجة إلى جهابذة ومتفوقين وحاملي جوائز نوبل في الإقتصاد، لإعادة وضع الإقتصاد اللبناني على المسار الصحيح، الأمر بحاجة إلى قرار لإتخاذ إجراءات بسيطة لكنها صارمة وتطال الجميع من دون استثناء. وهذا ما ينصح به المسؤول اللبناني الكبير في مؤسسة ميريلينيش.
***
ومن الإجراءات التي لا تكلِّف شيئاً سوى قرار جريء:
جباية فواتير الكهرباء، فتتحوَّل مؤسسة كهرباء لبنان من مؤسسة خاسرة، ومن عبء على خزينة الدولة، إلى مؤسسة تحصِّل نفقاتها وتفيض أرباحاً.
لماذا أصحاب المولِّدات لا يخسرون؟
وفوق ذلك، لماذا يجنون الأرباح الطائلة ومنهم مَن أصبح من أصحاب الملايين؟
أليسوا لأنهم نظَّموا العلاقة بينهم وبين المكلَّف اللبناني؟
والأكثر غرابة، كيف تنظم وزارة الطاقة العلاقة بين أصحاب المولدات والمكلَّف اللبناني، ولا تنظمها بين مؤسسة كهرباء لبنان والمكلَّف اللبناني؟
فكما تضع وزارة الطاقة التسعيرة الشهرية لأصحاب المولدات ليلتزموا بها، وكما يلتزم المكلَّف اللبناني بهذه التسعيرة، لماذا لا يتم ذلك بين المؤسسة والمكلَّف؟
لماذا إذا تخلَّف المواطن عن الدفع لصاحب المولِّد يعمد هذا الأخير إلى قطع التيار عنه، ولا ينطبق هذا الأمر بين المؤسسة والمواطن؟
لماذا يجرؤ المواطن على التعليق على التيار واستهلاك الكهرباء مجاناً، ولا يجرؤ على القيام بذلك مع صاحب المولِّد؟
فهل صاحب المولِّد أقوى من الدولة؟
هل لدى صاحب المولِّد مخفر درك وضابطة عدلية وقضاء، كما هي الحال بالنسبة إلى الدولة؟
فكيف إذاً ينفذ إجراءاته؟
بكل بساطة:
يقدِّم الخدمة فيتقاضى الفاتورة، فإذا تخلَّف المواطن عن الدفع، يوقِف تقديم الخدمة:
لا درك، لا قضاء، لا استقواء، لا تعليق ولا سرقة للتيار.
أين الصعوبة في أن تحذو مؤسسة كهرباء لبنان حذو صاحب المولِّد في معادلة جباية في مقابل كهرباء.
***
باب آخر من أبواب تغذية الخزينة بالمال، هو باب جباية الضرائب من المؤسسات والشركات والأفراد بطريقة عادلة لا استثناء فيها، وهذا هو بيت القصيد، هذا الإجراء لا يكلِّف شيئاً سوى نظام حديث لا يتيح التلاعب ولا الإستثناءات، فالظلم في السويَّة، عدلٌ في الرعية، لكن هنا ليس في الأمر ظلم، بل مجرد ضرائب في مقابل خدمات، وهنا على الدولة أن تحسِّن خدماتها لتأتي ضرائبها مقنِعَة، فلا يشعر المواطن أنَّ الضرائب تذهب إلى الجيوب بل إلى خزينة الدولة.
***
وأخيراً وليس آخراً، ماذا عن تأمين الأموال من المعاينة الميكانيكية؟
هل كل السيارات على الطرقات خضعت للمعاينة؟
لو كان هذا الأمر صحيحاً لكانت الجباية من المعاينة تساهم بشكلٍ كبير في التخفيف من العجز، لكن العقبات في وجهها كثيرة ومن بينها أنَّ الكثير من السيارات القديمة يجب أن تخرج من الخدمة وعن الطرقات، هكذا تفعل الدول المتقدمة لأن السيارات القديمة لا يعود لها قطع غيار ولا يعود بالإمكان تصليحها، فتتحوَّل إلى قنابل موقوتة ومصدر خطر على الطرقات.
لكن ما يجب أخذه بعين الإعتبار هو الأوضاع المادية والإجتماعية لأصحاب هذه السيارات، لأنه لو كانت لديهم القدرة على تبديل سياراتهم القديمة بأخرى جديدة لما تأخروا لحظة عن القيام بذلك، لذا لا بدَّ من إبتكار طريقة لسحب هذه السيارات من التداول وتحفيز أصحابها على استبدالها بأخرى جديدة مع طريقة مريحة في التسديد لا ترهِق أصحاب الدخل المحدود.
***
هذه مقترحات ثلاثة بالإمكان المباشرة بتطبيقها من دون حاجة إلى قرار، ومن دون انتظار شيء، فحتى لو تأخر تشكيل الحكومة، فإنَّ الوزراء في حكومة تصريف الأعمال قادرون على وضع هذه المقترحات موضع التنفيذ. وشكراً.