يستمر مسلسل الفضائح الطويل فصولاً في بلد العجائب، فبعد بازار النفايات، شغلت قضية الإنترنت غير الشرعي اللبنانيين على الصعيدين الرسمي والشعبي على حدٍّ سواء، فالخطورة تكمن بالجهات التي أمّنت الغطاء الرسمي لإدخال المعدّات وتركيبها وتشغيلها طوال عامين دون حسيب أو رقيب، وهل يعني ذلك أن الأيام القادمة ستكشف فضائح جديدة في مجالات حيوية أخرى؟
لقد باتت الفضائح خبز اللبناني اليومي، ولم تعد وحول الفساد مُستهجَنة ولا سُبل تغطيتها مُستنكَرة، فيما تغرق الدولة بشلل مؤسساتي جعلها أعجز من أن تُلاحِق مكامن الفساد وتُحاسبها، باستثناء بعض الملفات التي استغلّت لأهداف سياسية وانتخابية، وبالتالي إن قضية الفساد الأخيرة التي تمّ الكشف عنها في مديرية الأمن الداخلي تستحق أن تكون قدوة لسائر المؤسسات الرسمية، حيث تمّ التحقيق بجدّية وسرّية وصولاً إلى الكشف عن الشبكة المتورّطة وليس الإستثمار السياسي الرخيص كما درجت العادة في قضايا فساد الدولة.
لقد بلغت السلبية والإستسلام لأسوأ الممارسات السياسية في المجتمع اللبناني حدّاً بات الفساد المنتشر هو المقياس وتحوّل مشهد الدولة التي تقوم بواجبها، كالإنتخابات البلدية على سبيل المثال، وكأنه الإنجاز والمعجزة في وطن انقلبت مقاييسه وتحوّلت مبادئه إلى حالات إستنسابية تُفصَّل حسب قياسات المعنيين ورهناً للظروف الآنية.
إن عجز القوى الرسمية عن مواجهة الفساد المستشري بل توّرطها الفاقع في ظل غياب القدرة الشعبية على المحاسبة فتح أبواب استباحة المال العام على مصراعيها دون أن تظهر بوادر نهاية لهذا النفق المُظلم إلّا بإعادة الهيبة لمؤسسات الدولة وإخراج ملفات الفساد من دوّامة التسييس والمحسوبيات حتى لا تكون السيف الذي يستغلّه فريق ويسلّطه على رقبة الفريق الآخر.