يجب ألا يشك أحد في أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يركز كما كان شقيقه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز على الأخطار المحتملة التي تمثلها إيران. ففي لقاء جرى قبل أسبوع تقريبا من وفاة الملك عبد الله، بيّن الملك سلمان و6 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي كانوا يزورون السعودية، أكد العاهل الجديد على التهديد الذي تمثله إيران النووية على المنطقة. السيناتور جون باراسو كان بين الحاضرين ونقل الأمر إلى مجلة «بوليتيكو».
وفي 25 من الشهر الحالي أمل الرئيس الإيراني حسن روحاني في رسالة التعزية من الملك سلمان توسيع العلاقات بين طهران والرياض «نظرا إلى الروابط الدينية والتاريخية بين البلدين» في المناطق ذات المصالح المشتركة. ونقل «برس تي في» عن محمد جواد ظريف وزير الخارجية أن على إيران والسعودية إيجاد حل مشترك لمعالجة مشكلات منطقة الشرق الأوسط. وقال إنه يأمل من العهد الجديد أن يتبنى نهج جوار جيد!
المعروف أن إيران تبحث عن فرصة لتقديم نفسها إلى العاهل الجديد في السعودية، إنما من دون تغيير أهدافها وسياستها، ذلك أن أسعار النفط المنخفضة جعلت من الوضع السيئ فيها أكثر سوءا، وهذا يؤثر على حكم روحاني الذي يواجه اقتصادا يعاني من مزيج من الانكماش والتضخم. روحاني أراد التحكم في التضخم المرتفع منذ عقود، لكن الوضع ازداد سوءا منذ تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية عام 2011. كما يعاني روحاني من تحدي إيجاد وظائف وتحقيق أحلام الشباب، لكن الأمر يصعب عليه مع انهيار أسعار النفط. هو كان أعلن انتهاء مرحلة الركود الاقتصادي. لم يلق أي مصداقية لأنه من الممكن مع انهيار أسعار النفط أن تعود إيران إلى الركود بحيث تواجه ركودا مزدوجا.
بعد زيارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى طهران، عاد من هناك ليتهم السعودية وأميركا بأنهما وراء تخفيض أسعار النفط لإيذاء روسيا.
يتذكر العالم أنه عام 1980 عملت السعودية على خفض أسعار النفط فلم يعد باستطاعة الاتحاد السوفياتي تمويل نفسه، وكان أن تغير التاريخ. هناك من يقول اليوم إن سعر النفط الخام قد يصل إلى 30 دولارا، وهذا سيضع روسيا وإيران في موقف صعب خلال السنة الحالية.
في 15 من الحالي نشر مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي جزءا من مقابلة أعطاها في شهر فبراير (شباط) من عام 1990 – أي بعد 25 سنة على إجرائها – وعنوانها: سنرد بالضربة على كل ضربة، فيها اتهم السعودية بأنها تتآمر مع الغرب على إيران، وهو مستعد أن يرد على أي ضربة.
نشرها الآن للتدليل على أن موقف إيران لم يتغير منذ 1990، وهو بالتالي يكرر التهديد. وكان محسن رضائي نائب مجلس تشخيص مصلحة النظام قال في 11 من الحالي، إذا استمر سعر النفط بالانهيار فإن إيران ستخسر 100 مليار دولار أخرى. في مقابلته عام 1990 قال خامنئي: «إن السعودية تحاول نسف (أوبك) وتوجه ضربة للأمة الإسلامية، ولا يمكننا أن نبقى غير مبالين. لدينا حدود طويلة مع السعودية في مياه الخليج، ولدينا الحق بأن نتصرف بقوة في هذه المنطقة»!
كان صدام حسين لا يزال يحكم العراق لذلك يقول خامنئي: «وافقت بعض الدول على بيع نفط العراق (…) في يوم ما سنأخذ النفط الذي يباع للعراق أو نشرف عليه».
ذلك التهديد الموجه للعراق ونفطه عام 1990 يحاول خامنئي تحويله إلى السعودية، أي أن إيران مستعدة أن تأخذ النفط الذي يمر في مياه الخليج. يقول في المقابلة: «نريد أن ننصح هذه الدول، أي العراق والسعودية، بأنه من الأفضل لها أن تلتزم بـ(أوبك) فنحن إيران من يحكم مياه الخليج».
في حسابه على «تويتر» في 17 من الحالي يكتب خامنئي: «لا يمكننا أن نبقى غير مبالين. عدة دول تأثرت بأسعار النفط أكثر منا. إنها ضربة ضد (أوبك) وضربة ضد الدول الإسلامية المستقلة، وسنتصرف حسب ما تستدعيه مصلحتنا».
وفي 17 من الحالي نشر موقع «تسنيم» المقرب من خامنئي تصريحات ليد الله شيرمردي وهو من مكتب خامنئي جاء فيها: «أن صبر إيران تجاه أنظمة في المنطقة له حدود. السعودية تلجأ إلى سلاح النفط لمحاربة إيران، وبهذا ترتكب انتحارا سياسيا. إن التصرف السعودي سيفرض تغييرا على كل دول الخليج وأنظمته». ثم يضيف: «كل طرق مرور النفط بدءا من باب المندب والسويس حتى مضيق هرمز تحت سيطرة إيران».
كانت إيران بدأت تتحدث عن السيطرة على المياه عندما احتل الحوثيون في اليمن العاصمة صنعاء، وقال يومها محمد صادق الحسيني: «صرنا سلاطين المتوسط، والخليج، والمحيط الهندي والبحر الأحمر».
وهكذا كرر شيرمردي أن كل طرق النفط تحت سيطرة إيران «عبر سوريا، واليمن والبحرين وأنها ضمن مرمى الصواريخ الإيرانية».
بعد هذه التهديدات تأتي تصريحات «المصالحة» وحسن الجوار مع السعودية، حتى مستشار الأمن القومي علي شمخاني قال الأسبوع الماضي إن «إيران على استعداد لفتح حوار صريح مع المملكة السعودية حول قضايا متعددة، فالوضع المتأجج في العالم الإسلامي يتطلب مساهمة براغماتية من حكومات مثل إيران والسعودية»، ثم أشار بالتحديد إلى الإرهاب و«داعش».
الأصوات المتعددة الاتجاهات كثيرة في إيران إنما كلها تمثل النظام. والأصوات العالية التهديد تكشف ضعفا إيرانيا، فإيران تخوض اليوم معارك فعلية مكلفة على جبهات عدة، ولكنها لم تستطع الرد على إسرائيل رغم المقولة التي صارت معروفة: نحن نختار التوقيت المناسب، ولا يأتي هذا التوقيت، فإسرائيل ليست داخل الرادار الإيراني حتى الآن. ويكشف عن ذلك قول شيرمردي «إن الموجة الثالثة من الثورة الإسلامية ستعبر الحدود الجغرافية بطريقة أقوى مما فعلت في الماضي» مما يعني أن إيران صارت أكثر إصرارا على تصدير الثورة لأنها تتيح لها السيطرة على مصادر النفط في الخليج وفي كل دولة تصلها الثورة.
في 14 من الحالي تحدثت وكالة «مهر» عن «نار تحت الرماد» ولمحت إلى عصيان تتوقعه إيران في دول عربية، كما أشارت إلى أن الشيعة في اليمن غير مرتاحين للعلاقة بين الرياض وصنعاء وأنهم يرون ما يحدث في بلادهم فرصة لهم، مع العلم أن الحوثيين يشكلون 30 في المائة من السكان.
وفي وكالة «افنا» صرح حسين شيخ الإسلام مستشار علي لاريجاني في 23 من الحالي بعد رحيل الملك عبد الله بأنه يتمنى على الملك سلمان أن يدخل «تغييرا كاملا» في السعودية، إنما لن أشير إلى الكاريكاتير الذي رافق التصريح.
مع تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في السعودية تحاول إيران قلب الصفحة، وتقول إنها تريد البدء بصفحة جديدة. لكن الحكم في السعودية استمرار ونهج والسؤال سيكون: صفحة جديدة حول ماذا؟ صفحة جديدة تتطلب من إيران الانسحاب من العراق، ومن سوريا، ومن اليمن، وأن تترك البحرين إلخ.. السعودية لن تغير موقفها، وإيران رغم التصريحات في موقف ضعيف. تعدد الجبهات يؤدي إلى استمرار النزف. لا تستطيع الرد على إسرائيل، فتقول على لسان وزير دفاعها الجنرال حسين دهقان إنها ستظل تدعم «حزب الله» وتسلح الضفة الغربية، وكان قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري كشف الثلاثاء الماضي أن الحرس سيدمر النظام الصهيوني عبر دعمه المستمر للبنانيين وللفلسطينيين.
النظام الإيراني لن يتغير إلا بالسقوط التام. أعدم منذ بداية العام 64 شخصا. وهو سيظل حتى عام 2016 منكبا على المحادثات النووية مع.. باراك أوباما!