غداً، إذا سمح القدر، سيلتقي آذاريو لبنان الى مائدة حوار شهدنا بالأمس القريب على فشل حلقات كثيرة منها. والشرط الأساسي للمسرحية المملة الآتية ألا يلتقي في البدء زعماء ذاك الشهر النحس، بل يتحاور من ينتمي منهم الى الصف الثاني أو الثالث.
شهر يستمر ظلامه يخنق تطور المكان، فيصمت الشعب أمام جهل من يخرب المكان ببطء، غير مبال بوطن توزعت مسؤوليات حكامه على عظماء العائلات المذهبية من كبار القوم.
ألف سلام عليهم وعلى سبعين سنة “لعب”، غير بريء، قاموا به، فتكسرت القشرة الخارجية التي سترت تركيبة الوطن، قشرة الجمال والحرية، مصدر فخرنا جميعاً، الى ان إنكشفنا على حقيقتنا: وطن فقاعات صابون.
من أين نبتت شجرة الحوار الآتي بين جناحي آذار اللذين قسما الوطن جماعتين: مع وضد سوريا ؟ ولطالما طرق الجميع أبوابها في كل الفصول. وكم رحّب بها أقطاب الجبهة اللبنانية أثناء حربنا الأهلية المجيدة لمّا دعوها لتتدخل أمنياً، فلبّت النداء وجاءت النتائج عكس الأمنيات.
وانتهت الحرب وبدأ عصر أطلق عليه الزعماء إسم عصر الوصاية، في ما بعد، اغتيل أثناءه الرئيس الحريري، ووقع اتهام البعض على سوريا. ونزل الشعب الى ساحة الشهداء مهدداً، متوعداً، فانسحبت سوريا بعدما أرعبتها ثورة أرز دامت بضع ساعات، ولملمت خيبتها وجنودها وخرجت. وهكذا إنقسم آذارنا إثنين، ونزلت الستارة على مسرحية ما انتهت حقاً بعد، فالمخرج الآتي من الخارج ثعلب خراب لكل الفصول.
ومنذ ذلك التاريخ انهالت الإغتيالات والتكهنات والإتهامات، فسعينا الى إنشاء محكمة دولية تنير دربنا، وإذا بجلساتها تملأ شاشات التلفزة عندنا، حتى كدنا ننافس طلاب جامعات القانون بما نكتسب من دروس في أصول الإستجواب والإستنتاج.
منذ ذلك الربيع والآذاريون على خصام كيدي لا دخل له لا بفكر سياسي ولا غير سياسي، فالهّم الظاهر للزعماء يدور حول من يقود المركب المشلّع داخل أمواج عاتية، مذهبية، متخلفة. أما في العمق فهمّهم الأساسي: الجنى المادي الشخصي جداً الذي فتح أمامهم أبواب اللامبالاة القاتلة بحق الوطن.
ولا يهمنا حوارهم في شيء، ولا ثقة لنا بهم ولا بكيدهم المتبادل المستمر، فلا يتفقون إلا على ما يضمن بقاءهم في السلطة الى آخر الدهور. واليوم يكررون اللجوء الى موضوع حوار ما حمل يوماً على محمل الجد، فالحوار يطيل زمن إقامتهم العقيمة داخل صفحات الوطن المهترئة. لذا صار عليهم مغادرة خشبة المسرح، جميعاً، بعدما أعطيت لهم فرص كثيرة، فلا أنجزوا ولا شرّعوا ما قد يطئن أجيالاً جديدة سرقوا أحلامها وهجرّوها. وليتهم يظلّون بعيدين من جيش وطني، لاطائفي، وحده أمل شعب يريد بناء دولة “مدنية” متطورة يدير شؤونها مجلس متحرر من سطوة المذاهب ومن قبضة تنوّع الإنتماء الخارجي قبل إعادة بناء هيكلية السلطات الثلاث الأساسية وتأمين الفصل التام بينها. نريد وطننا، لا فندقاً موبوءا بلا هوية، وليتذكر كل الزعماء انهم لا يملكون لبنان.