IMLebanon

لبنان إلى طاولة “سوتشي”… والعين على ما بعد “آستانا”

 

يتلهّى سياسيو لبنان بالتفاصيل الصغيرة والصراع على الحصص والأحجام، فيما ترسم الدول الكبرى سياسات المنطقة ومن ضمنها مستقبل “بلد الأرز”.

 

منذ إندلاع نيران الأزمة السورية في 15 آذار 2011 وتطاير شظاياها في كل أرجاء المنطقة، يدفع لبنان الفاتورة الأغلى لهذه الحرب بعدما أصرّ أحد أفرقاء الداخل على إدخال البلد الصغير في لعبة السياسات الكبرى الحارقة.

 

ولعلّ ما كشفه رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط من أن نيترات الأمونيوم التي انفجرت في المرفأ وفجّرت العاصمة تعود إلى النظام السوري، أكبر دليل على أن لبنان لا يزال يدفع فاتورة مكلفة لتلك الحرب التي لا يُعرف كيف تنتهي.

 

وبالإضافة إلى الإرتدادات الأمنية المدمّرة، فإن ملف النازحين السوريين يُرهق لبنان الذي يأوي على أراضيه نحو مليون ونصف المليون نازح، في ظل أوضاع إقتصادية صعبة واستمرار استنزاف مقدّرات البلد خصوصاً وأن هؤلاء يحصلون على السلع المدعومة مثلما يحصل أي مواطن لبناني عليها، إضافةً إلى كابوس الخوف من التوطين.

 

وفي ظل هذه الاجواء الضبابية والسوداوية، يطلّ مؤتمر “آستانا” الذي ستعقده روسيا في “سوتشي” في 16 و17 الشهر الجاري، والذي يتناول الأزمة السورية. لذلك فإن لبنان معنيّ بهذا المؤتمر نظراً إلى الإنعكاسات السلبية التي يعيشها نتيجة الأزمة السورية وأزمات المنطقة.

 

وتعطي روسيا اهتماماً خاصاً لهذا الإجتماع، فهو يُعقد بالحضور الشخصي وليس عبر ZOOM، على اعتبار أن “كورونا” قد تراجع في “سوتشي”. والجدير ذكره أن موسكو أنشأت “منصة آستانا” العام 2017 لتكون موازية لـ “منصة جنيف” التي أنشأتها واشنطن العام 2012 لبحث الحل السياسي للأزمة السورية وتعاني الشلل في وقتنا الحالي.

 

وتُقاطع واشنطن إجتماعات “آستانا” لأنها تعتبر أنها لن توصل إلى أي حلّ، في حين تحضر إيران وتركيا بشكل قوي، وقد شارك الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني شخصياً في إجتماعات “آستانا” إلى جانب الرئيس فلاديمير بوتين في مرات سابقة.

 

وقد وجّهت دعوة إلى لبنان منذ عامين للمشاركة في هذه القمة على اعتبار أنه بلد مجاور لسوريا ومشاركته ستكون بصفة مراقب مثل الأردن والعراق، علماً أن “مؤتمر سوتشي” الذي سيعقد هذا الأسبوع لا علاقة له بالمؤتمر غير الناجح الذي عُقد في دمشق منذ أشهر وكان مخصّصاً لموضوع إعادة النازحين.

 

وفي المعلومات أيضاً أن الدول المشاركة في المؤتمر سترسل ممثلين من وزارة الخارجية ولن يكون إجتماع قمة بين الرؤساء، وبالنسبة إلى حضور لبنان فقد إتصل وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة بسفير لبنان في روسيا شوقي بونصّار ليبلغه تكليفه رسمياً بتمثيل لبنان في اجتماعات “آستانا”.

 

ويأتي اختيار بو نصّار لهذه المهمة لأنه ضليع بالملف السوري وهو سفير للبنان في روسيا ويتابع الملفات الدقيقة التي تتعلّق بالأزمة السورية وتردداتها على لبنان، وحاضر في الإجتماعات التي تحصل في العاصمة الروسية ويعلم بتفاصيل ما يجري. ويُعتبر رفع علم لبنان في هذا المؤتمر مهمّاً خصوصاً وأن التغيّب عن مثل هكذا مؤتمر يُعدّ نكسة للديبلوماسية اللبنانية، وإذا كان الحضور بصفة مراقب، إلا أنّ هذا الأمر يُعطي دفعاً وحضوراً للبنان في مفاوضات مقبلة تكون أكثر إنتاجية وتطرح القضية اللبنانية في المحافل الدولية.

 

لا شكّ أن بونصّار سيحمل هموم لبنان إلى المؤتمر وأبرزها ضرورة إيجاد تسوية للأزمة السورية وتأمين العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى بلادهم، لكن الأهم يبقى في سلسلة اللقاءات التي سيعقدها على هامش المؤتمر واستشفاف الموقف الدولي من الأزمة اللبنانية بكل جوانبها، لأن هذا البلد دخل مرحلة التدويل بفعل رهن السلطة الحاكمة مواقفها للخارج وعدم الإلتفات إلى معاناة الشعب اللبناني.

 

سيُكوّن لبنان الديبلوماسي بعد مشاركة بونصّار في “مؤتمر سوتشي” فكرة عما يدور في جزء من العواصم الإقليمية والدولية، في حين يبقى على السلطة اللبنانية أن تُقاطع ما سيحصل في روسيا مع موقف الإدارة الاميركية الجديدة وتُحضّر أوراق عملها جيداً لتكون حاضرة عندما يقترب موعد التفاوض الأميركي- الروسي الكبير.