Site icon IMLebanon

سوتشي.. وبعدها الأسوأ

 

لن يكون مفاجئاً ذهاب الأمور الميدانية في سوريا إلى التصعيد أكثر فأكثر غداة مؤتمر «سوتشي» الفاشل سلفاً!

 

المعارضة (الرئيسية) لن تحضر، والأكراد مشغولون بصدّ الهجوم التركي على مواقعهم في عفرين وجوارها.. ثم مهمومون بمصير «النداء» الذي وجّهوه إلى بقايا السلطة الأسدية للتدخّل إلى جانبهم! وذلك وغيره، يعني في الإجمال والتفصيل، بأن السعي الروسي إلى «سوتشي» يؤكد ولا ينفي، حقيقة حاولت موسكو القفز فوقها أو تجاهلها، تقول بأن «الانتصارات» المركّبة والملتبسة لا تنتج سلاماً عاماً، وأن سوريا ليست القرم! ولا جورجيا! ولا الشرق الأوكراني! بل هي في «ألطف» التوصيفات محرقة لم تصل إلى طاقتها القصوى بعد!

 

ناور الروس كثيراً لأخذ الجميع إلى حيث يريدون. ومن هؤلاء جماعات المعارضة غير الموصومة بـ«الإرهاب». وأرادوا نتائج سريعة وبسيطة لمسار طويل ومعقّد، لكنهم في الحالتين، القتالية والتفاوضية، اتّبعوا «أداءً» واحداً ولّدته تجاربهم (الذاتية) في الشيشان وفي ما استجدّ بعدها من معارك متفرّقة مفترضين (بصفاء ذهني تام!) أن كسب الحرب يُكسبهم السلم! وأن قدراتهم النارية على الحرق توازي قدرتهم الديبلوماسية والسياسية على السلق! ويكفي أن «يُوضع» الجميع في طنجرة (سوتشي) حتى تنضج التسوية المأمولة وفق قياساتهم المطبخية!

 

ارتدّ الأميركيون عن معركة جورجيا مع الروس، وانتهى حليفهم ساكاشفيلي لاجئاً سياسياً مُطارَداً في كييف.. وارتدّوا على معركة أوكرانيا واكتفوا بالعقوبات للردّ على تدخّل موسكو «الانفصالي» في شرقها. وفعلوا الأمر نفسه في شأن إعادة ضمّ القرم إلى «الدولة الأم».. وقبل ذلك بسنوات طويلة سكتوا وأشاحوا أنظارهم عن الفتك بتجربة الاستقلال في غروزني.. وفي المخيال (الغربي) الاستراتيجي، أنها كلها معارك تدور في فضاء «الأمن القومي» الروسي! ولم تصل (باستثناء الداخل الشيشاني) إلى ما وصل إليه النازي في تكسير دول قائمة بذاتها وإعادة رسم خريطة ألمانيا بحجّة إعادة تجميع ذوي الأصول الآرية الجرمانية في وطنهم الأول!

 

انتشى الروس بتلك الخلاصة وافترضوها قانوناً ثابتاً. وساعدهم على ذلك أداء إدارة السيئ الذكر باراك أوباما في شأن سوريا وحواشيها الإيرانية.. وهذا بدوره أنتج قراءات متسرّعة وحسابات غير واقعية. في قمّتها، أن الركوب على موجة الحرب ضدّ الإرهاب سيوصل إلى كسر «كل» المعارضة السورية! وأن التحكّم بالميدان سيعني التحكّم بالبيان! وأن الوقوف على جسر عابر فوق القوى الإقليمية المتناحرة والمختلفة و«المتعادية» ومحاولة إرضائها كلها دفعة واحدة.. ذلك كله سيكون كافياً لفرض معادلة «تسووية» ترضي خاطرهم أولاً. وتحفظ مصالحهم على حساب الآخرين ثانياً.. وتؤهلهم ثالثاً للفوز ببطولة العالم للسلام وباستحقاقهم (الحتمي!) لرفع العقوبات عنهم! وغير ذلك من طموحات مستقبلية مبنيّة على موروثات ماضٍ مضى ولن يعود!

 

كل يوم يمر على الروس في سوريا يحمل معه ترحّماً على الذي سبقه! تعقيدات محلية وإقليمية ودولية أثقل من تبسيطات الرعاية السياسية والجغرافية لـ«عملية السلام»! وتضارب في «الخطوط الحمر» أنساهم وأنسى العالم كله الضوء الأخضر الأوبامي! و«يقظات» كردية وتركية وإسرائيلية وإيرانية متوتّرة وولعانة. ولكل منها أسبابها ومنطقها! وأحوال سياسية متقلّبة وحمّالة احتمالات مفاجئة في «الداخل» الإيراني كما في «الداخل» الأميركي.. تحالفات تدور مثل المراوح وتدوّخ كل مَن يتابعها! وفوق ذلك كله مسّ ميداني خطير بالقلعة المتينة في حميميم.. ثم اكتشاف المُعطى الأخطر القائل بأن المعارضة «باقية» في جنيف ومبادئ «الحل» الأولى! وأن آستانة و«سوتشي».. وشرق حلب وما تلاها ميدانياً (وخصوصاً منها الحرب على الإرهاب) لم تعدّل الكثير في مقوّمات دوام هذه النكبة! ولم تضع أحداً على طريق النهاية! ولن توصل الروس إلى الجائزة الكبرى!

 

«سوتشي» اليوم قطاف قبل أوانه! وما بعدها عود على بدء، أشد شراسة ونيراناً وكوارث!