أثبتت المنظومة الحاكمة في لبنان أنّ إهتماماتها وأولويّاتها تنصبّ على تكبير إحتمالات الإستمرارية لسلطانها على الشعب اللبناني، بحيث لا تتوفّر فرصة مهما كان نوعها، قانونية أو مخالفاتية، عنفية أو تهويلية، إستغلالية أو شيطانية، وإلاّ وتأخذ بها، مُرتكزةً على القاعدة الميكيافيللية الشهيرة “الحاجة تُبرّر الوسيلة” التي إعتُمدت من قبل الكثير من طُغاة “اللعنة” التي ضربت العديد من الشعوب، فارضين معادلة في زمن حكْمهم “صمود السلطة بمعاناة الناس”، أمّا نهاياتهم فكانت دائماً “صمود الشعب فسقوط السلطة”.
وبالعودة الى الوضع اللبناني الحالي، فبإستمرارية المنظومة الحاكمة المُتمثّلة بـ”حزب الله” والتيار العوني تتعاظم الخسائر الوطنية والإنهيارات الإجتماعية والإقتصادية، ممّا يُدخل لبنان بعمق الى نادي الدول الفاشلة ويدفنه في قعر سلّم الإنسانية ويقطع عليه الأمل بالإنقاذ. فالدوائر الدولية تُدرك تماماً أنه لم يعد هناك جدوى للمحاولات الإصلاحية والعلاجية مع المنظومة اللّاأخلاقية الحاكمة، كما أنّها متأكّدة بأنه لم يبق سوى علاج وحيد ناجع، وهو التغيير الجذري لهذه المنظومة، وهذه مسؤولية تقع على مسؤولية الشعب اللّبناني بذاته، المدعو الى تأدية دوره التّاريخي وإعتماده على قِواه الحيّة ذات التاريخ الطويل من النضالات البطولية التي شهرتها سابقاً بوجه جميع التهديدات الخارجية والداخلية لهوية لبنان.
إنّ مقاومة المنظومة الحاكمة تحتاج أيضاً لحملة توعية من أجل إيضاح حقيقة الصراع الوطني، وتعزيز الثقة بالنفس وتعاضد المؤهّلين لخوض النضال العنفواني لتحرير لبنان من السيطرة الإيرانية المُقنّعة. إنّ درب النار المتوقّعة والتي ستكون مليئة بالفبركات والإستهدافات لن تُثني أبطال السيادة اللبنانية وأحرارها عن تمسّكهم بعاداتهم الوجودية التي دأبوا عليها منذ سبعينات القرن الماضي، فليس كل المعارضين المستجدين للمنظومة أو المُنتقدين لها مؤهّلين للمضي في هذه الدرب الصعبة، لا بل بعض هؤلاء يحمل في إرثه السياسي تجارب وتسويات مع منظومات خارجية تحت شعارات الحركات الوطنية والقومية والشمولية، وما زال يُحافظ على طروحاته القديمة.
إنّ للصمود اللبناني أربابه، الجاهزين دائماً لرسم دائرة الحماية لأرزة لبنان، التي وإن تعرّضت لبعض الخروقات من الداخل، ولكنها لم تنقطع، ولن تنقطع، فدابر الخروقات هو الذي سينقطع بفعل الصمود المبدئيّ والفكريّ للمقاومة اللبنانية المُدعّم بالمعنويات العالية للنضاليّين والحكمة الصافية للقائد والدعم الشعبي الذي يكبر يوماً بعد يوم ويتظهّر في كل الساحات. تبقى الحاجة القصوى لدعمٍ من قبل جهاتٍ أُممية ودولية طالما نادت بضرورة إحترام حق الشعوب بتقرير المصير، وها هي لحظة الحقيقة قد أتت، فإمّا تقف هذه الجهات مع شعبٍ قرّر مصيره وبدأ معركة تحرير نفسه من حُكمٍ جائر، وإمّا التقصير بحقه والتخاذل بدورها، وبذلك تخسر قضيّتها التي من أجلها أُنشئت، عندما عمِلَ لها وناضل من أجل تطويرها المُفكّر اللبناني الدولي شارل مالك، الذي ميّز وطنه لبنان بخاصّتين وهما الإنسان اللبناني الخلوق والحرّية الفردية المسؤولة، فحاول طبع لبنان في دوائر الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان وحاول في الوقت ذاته حفر هذه الشرعة في طبيعة حياة الشعب اللبناني ودستوره. إنّ تخلّي المجتمع الدولي والأممي عن دوره ومسؤولياته لأجل الحسابات السياسية بين الكبار يُطيح برسالته، وقد يصلح حينها فيه قول للعبقري ألبرت أنشتاين “العالم مكان خطير، ليس بسبب الناس الشرِّيرين، بل بسبب هؤلاء الذين يتفرّجون ولا يعملون شيئاً”.
لبنان يُعاني من محاولةٍ لقتل هويّته، فهل من جريمة أفظع من ذلك؟؟؟ والدعم الأممي يُثمّن في هذه القضية، وحماية الشعوب المُعذّبة والمظلومة تُكرّس هنا، وصدى الخطر الداهم من السلاح المجرم ومن غدر الخبثاء ومن القتل المتعمّد يُقدّر في هذا المكان، فهل التعاضد الدولي سيأتي لتدعيم حق الشعوب بالحرّية والكرامة، أم أنّه سيكون الصامت لصالح تسويات السلطات الخائنة بحق شعوبها؟؟؟
قالت الكاتبة الأميركية التي قدّرت القيم الإنسانية في كتاباتها “الشجاعة الوحيدة التي تعني هي التي تنقل الأمور من لحظةٍ الى لحظة أُخرى”.