لا تزال الصورة ضبابية بالنسبة لطريقة التعاطي الدولية مع المشهد اللبناني، والعجز الواضح لدى غالبية القوى السياسية الداخلية، عن الوصول إلى مخرج للأزمة المستعصية، وذلك بعدما وصل الجميع إلى حائط مسدود، أعادهم إلى نقطة الإنطلاق، وفق ما يلاحظ وزير سابق مطّلع على المناخات الفرنسية إزاء الوضع اللبناني، ذلك أن الإجتماعات التي حصلت بالأمس في سياق تحرّك الإتحاد الأوروبي، قد أثمرت عما يشبه الإجماع بين وزراء خارجية الإتحاد، والذين كانوا منقسمين في السابق إزاء الملف اللبناني، واتفقوا بالتالي، على تحديد آلية قانونية من أجل فرض عقوبات على أي مسؤول لبناني يمارس دوراً في تعطيل تشكيل الحكومة وتأخير الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي.
وفي الموازاة، وعلى الصعيد الداخلي، وبنتيجة أصداء هذا التوجّه الأوروبي، فقد كشف الوزير السابق، أن الطرفين المعنيين بعملية التأليف، قد باشرا بإعادة مراجعة كل حساباتهما السابقة، وذلك على أكثر من مستوى محلي، قبل أن يكون خارجيا، في ظل معلومات متداولة عن دخول خليجي على خط عملية المراجعة هذه من أجل الضغط لتبديل المواقف، ونقل نصائح إلى كل المعنيين بأن هامش الوقت بات ضيقاً جداً أمام كل الأطراف من دون استثناء، وأن الدخول الغربي على خط الملف اللبناني، يؤشّر إلى أن الحسم بات قريباً، من دون أن يعني ذلك بالضرورة، أن الرئيس المكلّف سعد الحريري قد حسم أمره وقرّر الإعلان عن خطوته المقبلة في الأسبوع الجاري.
وتحدّث الوزير السابق نفسها، عن أن المعايير التي باتت تُطرح في المقاربات المطروحة للحل، لا زالت هي نفسها، إذ أنها تركّز على معالجة الأزمة الإجتماعية والإقتصادية، ولكن، من خلال الإصلاح، أي من خلال فريق حكومي قادر على تنفيذ هذه المهمة. لكن ترجمة أي توجّه خارجي، يضيف الوزير السابق، دونه صعوبات عدة، أبرزها الإنقسام الحاد بين قصر بعبدا وبيت الوسط، والذي ما زال ينعكس على كل المسارات الحكومية السابقة والحالية، وبالتالي، فإن الموقف الدولي، كما الضغط الذي تمارسه كل العواصم المعنية بالملفات الداخلية في لبنان، وبملف النزوح السوري، وملف اللاجئين الفلطسينيين، وملف مكافحة الإرهاب وملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وصولاً إلى التلويح بالعقوبات، لم يُترجم على أرض الواقع الحكومي، وإن كانت الخلاصات لدى أطراف لبنانية تتّفق على أن كل الأزمات الحالية، ومن ضمنها المتصلة بالملفات المذكورة، هي مرتبطة بشكل وثيق بالخارج، وليس الإنسداد الداخلي سوى نتيجة للتجاذبات الخارجية.
لكن هذه اللوحة الواضحة على المستوى الخارجي عربياً وغربياً، لا تنسحب على المشهد اللبناني، حيث المتاريس السياسية لا تزال مرتفعة بين العديد من الأطراف، ما ينتج المزيد من الأزمات والعقد، ويهدّد بفرط كل التحالفات السابقة، وبلجوء كا فريق إلى واقعه الطائفي والمذهبي، في ظل الحديث عن شكوك الرهانات على حصول متغيّرات في المدى المنظور، قد تطرأ على الموضوع الحكومي، كما يكشف الوزير السابق نفسه، والذي من الأكيد سيبقى على وقعه من الجمود، إلا في حال حصول تطور دولي طارئ يؤدي إلى تغيير المشهد وزوال هذه الضبابية التي يعيشها البلد.