يفضح التعاطي الرسمي مع قرض البنك الدولي ضعف الدولة واستعدادها للارتهان لأي جهة كانت طالما ان هذه الجهة مستعدة لتقديم مساعدة في وقت أقفلت ابواب المساعدات والعطاءات الدولية في وجه لبنان. لكن المستغرب ان حاجة الدولة تلك جعلتها تسلّم اوراقها او تنسحب من مسؤولياتها الى حد تغييب المؤسسات وتقويض دورها تماماً كما هو حاصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي تبدو الحلقة الأضعف في برنامج صرف قرض البنك الدولي، فيما يفترض انها الجهة الاساس المعنية قبل غيرها. والمستغرب اكثر هو غياب الحكومة التي تتخفى خلف كونها حكومة تصريف الاعمال فتتخلف عن تحمّل مسؤولياتها المفترضة. وهذا ما يحصل تماماً مع قرض البنك الدولي حيث هناك محاولة لوضع اليد من قبل جهات دولية على مؤسسات الدولة بمساعدة وزراء ومستشارين لدرجة انه يتم اخراج ملفات من تحت سلطة الادارة والمؤسسات وتفريغها وخلق ادارة رديفة.
ويرى المشككون بخلفيات القرض، أنّ البنك الدولي يعمد الى اختيار شركائه وفرضهم على الدولة والتشكيك بمصداقية الدولة، وهذا يبدو واضحاً من خلال الاحصائيات التي سلمها لبرنامج الغذاء العالمي. وكلما تم استفسار المسؤولين عن تنفيذ المشروع من قبل المعنيين الرسميين اتهم هؤلاء بالعرقلة رغم ان الهدف هو الحفاظ على هيبة الدولة والادارة العامة، خصوصاً ان وجود المعنيين بتنفيذ برنامج البنك الدولي هو للمساعدة خلال فترة زمنية محددة وليس بشكل مستمر، ويفترض بالدولة أن تساعد في تنفيذ البرنامج والاشراف عليه. وبدلاً من الدولة اللبنانية سيتولى برنامج الغذاء العالمي اختيار المصارف لإعداد البطاقات من دون اشراك اي جهة رسمية كما انه يحدد التعاونيات التي يشتري منها الناس وفق معاييره.
واذا كان من اهداف البرنامج نقل الخبرات الى الدولة والجهات المختصة فيها فأين هو نقل الخبرات طالما ان البرنامج يحدد ويختار بنفسه الجهات التنفيذية، الا اذا كان الهدف هو الحلول مكان الدولة وتهميش وجودها، يسأل المعنيون الذين يلمسون محاولة إبعاد كل الجهات المفترض انها معنية بالملف. وثمة من يقول ان الوزير يلعب دوراً في هذا التهميش وهو ينوي توظيف عدد من المحسوبين عليه لادارة هذا الملف كبديل عن المسؤولين الاساسيين في وزارته. وتتخوف جهات معنية من وجود خطة واضحة من خلال قرض البنك الدولي لضرب الدولة وتقويض دور المؤسسات بالتعاون بين البنك الدولي ومجموعة من المنظمات الدولية، يعاونهم وزراء ومستشارون لغايات بحت انتخابية وطائفية ومادية ايضاً.
ولغاية اليوم لم تتوضح بعد الآليات المتبعة في اختيار الأسر الأكثر فقراً ولا اللجنة الوزارية التي يفترض أن تتابع، وحتى عملية توزيع الاموال والعملة التي ستتقاضاها العائلات الفقيرة لم تحسم كما لم يحسم سعر صرف الدولار في حال تم تحويلها الى العملة الوطنية.
وليس هذا فحسب بل ان الخدمات المقدمة ستختلف بين الأسر الأكثر فقراً المستفيدة من الهبة وتلك التي ستستفيد من قرض البنك الدولي، فبينما لم يعرف بعد ما سيمنح للاسر المستفيدة من الهبة بات واضحاً ان المستفيدين من القرض سيتقاضون مبلغاً مالياً بالاضافة الى البطاقة الغذائية.
وما عزز شكوك المعنيين بوجود وصاية دولية هو الفرق التي تعمل على المشروع والتي اختارها البنك الدولي، لا سيما الجهة التي تتولى تنسيق المشروع بين الدولة والبنك الدولي والتي هي بمثابة ضابط الايقاع والتي لا تولي اهتماماً لوجود الجهات الحكومية ولا تنسق معها. لكن الاخطر وفق هؤلاء ذاتهم أن المشروع سينشئ سجلاً اجتماعياً يجمع قاعدة البيانات كلها للاشخاص، ونتحدث هنا عن بيانات تتعلق بالاضافة الى الاسر الفقيرة، المعوقين والمسنين ما يرجح فرضية وضع اليد على قاعدة البيانات الاساسية وامكانية التحكم بها على الارضً فيما البعض في رئاسة الحكومة يتعاطى بخفة مع الموضوع ولا يولي أهمية لهذا الامر.
فهل هي مقاربة سيادة ام انها مقاربة غياب الشفافية في الدولة تتحمل الاطراف السياسية مسؤولية ايصال الدولة الى شريك مضارب في البرامج الاجتماعية، كما تتحمل خسارة ثقة الصناديق الدولية والجهات المانحة بالجهات الرسمية. هذا هو الواقع الذي اوصلتنا اليه جهات صنع القرار او تسخير القرار والتي افتتحت مقاربتها للقرض بالسطو على العملات الصعبة واختراع سعر صرف خاص للمساعدات، ومن ثم في تقاسم الشركات التي ستتولى التدقيق والمسح الاجتماعي.
أن يلمس البنك الدولي وفق مصادره استمرار الجهات السياسية بممارسة ذهنية التقاسم والمحاصصة دون مراعاة معايير الشفافية والوضع الاجتماعي، فيعني ذلك ان استمرار هذه العقلية كان وسيبقى الباب الرئيسي لاستباحة الدولة واقصاء أي منتفض لكرامتها.