IMLebanon

لهذه الأسباب ستكون الإنتفاضة المقبلة فوضى عارمة

 

المقبل من إحتجاجات لن يشبه “17 تشرين”…

 

* الاسمر: لا أحد من المعنيين يحرّك ساكناً فماذا تنفع الاضطرابات؟ هل من يستجيب ويعالج؟

* نعمة: عوامل الانفجار مركّبة وليست متوقفة فقط على حدّة الأزمة الاقتصادية أو المالية

* عسيران: اذا حصل الانفجار هذه المرة فلن يكون هناك امكانية لتطويقه بل اشبه ببركان

ليس تفصيلاً أن تُقارب قيمة أعلى ورقة عملة لبنانية أي 100 ألف ليرة قيمة الدولار الواحد، من دون أن يتحرك الشارع اللبناني، في حين أنها كانت قبل الازمة تساوي ما يقارب 66.66 دولاراً. علماً أن هذا الشارع نفسه تحرك إعتراضاً، على زيادة 6 سنتات على كلفة مخابرة الواتساب في العام 2019، واستمرت إنتفاضته شهوراً قبل أن يتم خنقها ودفنها من قبل الطبقة السياسية. وفي العام 2015 كان مشهد تكدس النفايات في الشوارع كافياً، لقيام إنتفاضة “مصغرة” سرعان ما تمّ تطويقها من قبل الطبقة السياسية نفسها.

 

اليوم، وبالرغم من كل المآسي التي يعيشها معظم الشعب اللبناني، بسبب الازمة الاقتصادية والمالية، إلا أن إعتراضه على الواقع المُر الذي يسقيه السياسيون للبنانيين يومياً، لم يعد جماعياً بل فردياً ومحدوداً او مجموعات افراد قليلة العدد من وقت لآخر، ويتمثل بإزدياد حالات الإنتحار بسبب الوضع الاقتصادي الصعب (آخرها إنتحار3 شبان في غضون 10 أيام). فما الذي يدفع اللبنانيين لعدم الثورة على جلاديهم، طالما أن كل العناصر التي تقود نحو إنفجار إجتماعي موجودة، بدءاً من فراغ غير مسبوق في المؤسسات الدستورية، وتحلل لمفاصل الدولة وإنسداد الافق السياسي، وصولاً إلى إستمرار الصراع على السلطة من قبل الطبقة السياسية، وتسجيل المزيد من التأزم المالي والاقتصادي والإنفلات الامني، وإرتفاع هائل في معدلات التضخم، والتي هي قريبة من زيمبابوي.

 

الانفجار آتٍ

 

يجيب الخبير في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر أديب نعمة “نداء الوطن” على هذا السؤال، بالقول إن “الإنفجار الاجتماعي آت بالتأكيد، لأن هناك تدهوراً مستمراً في الوضع، ولأن لا خطوات لإيقافه ومعالجته”، مشيراً إلى أن “المشكلة هي إفتراض حصوله بتوقيت معين، لكن هذا أمر لا يمكن تحديده مسبقاً، لأن عوامل الإنفجار هي عوامل مركبة وليست متوقفة فقط على حدة الازمة الاقتصادية او المالية”.

 

ويوضّح أنه “يمكن أن نعاني من أزمة مالية حادة جداً تنعكس على أزمة إقتصادية حادة أيضاً، لكن قد لا تكون بنفس حدة الازمة المالية. والازمة الاقتصادية تولد حُكماً أزمة إجتماعية ولكن ليس بالضرورة بنفس الحدة”، مشدداً على أنه “لا يمكن تحديد الشكل الذي سيأخذه هذا الانفجار. إذ يُمكن أن يشبه ما حصل في 17 تشرين 2019، ويمكن أن يختلف عنه. لكن لا يمكننا إغفال أثر العوامل السياسية والنفسية التي تدفع الناس للنزول إلى الشارع، بشكل متفرق أو موحد وبرؤية سياسية أو بردة فعل غاضب”.

 

يقول: “أهم العوامل النفسية التي لا يمكن إغفالها، أن كل الثورات التي حصلت منذ ربيع العربي في الـ2011، كان فيها عامل أساسي وهو إفتراض الناس بأن هناك إمكانية للتغيير. في العام 2015 و 2019 إفترض اللبنانيون أن هناك إمكانية للتغيير، بينما هذا الامر غير موجود في الوضع الحالي، وربما يمكن تسميته بالاحباط أو اليأس. الناس لا تنزل إلى الشارع لأنها فقط مأزومة وفقيرة، بل أيضاً لإعتقادها أن تحركها يمكن أن يحدث تغييراً وفرقاً”.

 

يؤكد نعمة أن “الانفجار آت لا محالة، لأن الأزمة ستصل إلى مكان الناس لا يمكنها التحمل بالتأكيد.

 

هناك عوامل تمنع إنعكاس الازمة المالية والاقتصادية بنفس الحدة على كل الناس، مثل التحويلات المالية من الخارج، والمساعدات الانسانية التي توزع بكثرة وجرّ الناس لمناقشة قضايا يفترضون أنها ستؤدي إلى حل، مثل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة”، موضحاً أن “كل هذه العوامل تساهم في خلق إرتباك عند الناس حول طبيعة الخطوات التي ستقوم بها، في ظل غياب هيئات وسيطة كالاحزاب والنقابات المستقلة التي تستطيع لعب دور تأطيري للناس”.

 

ويرى أن “الاحزاب فقدت مصداقيتها وتعمل وفقاً لمصالحها الخاصة ومشاريعها، ومهمتها الاساسية تدجين الناس وضبط تحركهم بشكل جزئي يتماشى مع مصالحها، وليس للإستجابة لمتطلبات حل الازمة. كما أن النقابات بشكل عام تحولت أدوات بيد السلطة، ما عدا إستثناءات قليلة لا يمكنها إحداث تغيير”.

 

يشدد نعمة على أنه “لا يمكننا أن نعرف ماذا سيحصل بعد الانفجار المرتقب، لكن ستكون له نتائج بالتأكيد. لنفترض أنه سيحصل ما يشبه 2019، الذي إستطاع كسر التحالف السلطوي الذي أنتج التسوية الرئاسية والسلطة التي نشأت بعدها، ومن تعبيراتها الخروج السياسي لـ”تيار المستقبل” وخروج “القوات اللبنانية” من التحالف”، لافتاً إلى أن “هذا أمر مهم جداً رغم أنه لم يصل إلى خواتيمه بسبب القمع الذي حصل، ولأن الحراك الشعبي لم يستطع إنتاج مشروع سياسي متكامل، بالإضافة إلى عدم مساعدة الخارج لإنتاج هذا المشروع (زيارة ماكرون كان هدفها إعادة إنتاج التسوية الرئاسية)، وإلى الآن الخارج لا يزال يعمل ويضغط في هذا الاتجاه”.

 

يتابع: “إذا عاد الحراك الشعبي بنفس القوة السابقة التي شاهدناها في 2019، سيكسر شيئاً ما لكن عليه أن يصنع بديلاً. ليس بالضرورة أن يبلور قيادة سياسية أو زعيماً وهذا لن يحصل، لكن يجب أن ينتج مشروعاً سياسياً متكاملاً بأشخاصه ومؤسساته، ويشمل البُعد المالي والاقتصادي والسياسي في شقيه الداخلي والخارجي عندها يمكن الخروج من الازمة”.

 

الشرارة من القطاع العام

 

يتوقع رئيس المجلس الوطني للإقتصاديين صلاح عسيران أن تبدأ شرارة الانفجار الاجتماعي القادم “من القطاع العام، أي من موظفي الدولة والمتقاعدين والمعلمين والاسلاك العسكرية والامنية”، شارحاً لـ”نداء الوطن” أن “القطاع الخاص إستطاع التأقلم لو جزئياً مع الازمة، من خلال رواتب تُبعد عن موظفيه الجوع والعوز والحرمان فقط، لأن وتيرة الاقتصاد في لبنان أصبحت منخفضة جداً، بالإضافة إلى أن تحويلات المغتربين تؤخر الانفجار لكنها لن تحل الازمة المالية والاقتصادية المستفحلة”.

 

يُبدي عسيران أسفه أن “ما يطرح اليوم هو لماذا لم يحصل الانفجار الاجتماعي إلى الآن وليس كيف يمكن وقف هذا الغليان، لأنه إذا حصل الانفجار هذه المرة، لن يكون هناك إمكانية لتطويقه أو إيقافه، بل سيكون أشبه ببركان”، مشيراً إلى أن “أبرز دليل على ذلك ما يحصل في باكستان، التي تعاني من إنهيار إقتصادي مشابه لما يحصل في لبنان، وتتحضر لتوقيع برنامج إصلاحي مع صندوق النقد. إذ لا يمكن خروج المواطنين بعد الساعة الثالثة بعد الظهر، بسبب عمليات السلب التي تحصل في وضح النهار وتحت أعين رجال الشرطة، الذين يعلنون صراحة أنهم غير مستعدين للمخاطرة بحياتهم مقابل راتب لا يزيد عن 70 دولاراً”.

 

يردف: “في لبنان نحن سنصل إلى هذه المرحلة، إذا لم يحصل فوراً الاتفاق السياسي الذي يبعد عنا هذه الكأس المرة. لأن أي طرف خارجي لا يقبل بمساعدة لبنان، في حين أنه في باكستان وضعت المملكة العربية السعودية وديعة بقيمة 6 مليارات دولار، بالاضافة إلى مساعدات مالية من الامارات العربية المتحدة وقطر (2 مليار من كل دولة)”، لافتاً إلى أنه “صحيح أن السلطة السياسية إستطاعت في العامين 2015 و2019، تطويق الانفجار الإجتماعي الذي حصل، لكن هذه السلطة فقدت اليوم جميع أدواتها لضبط الانفجار، وأولها جذب الودائع من الخارج والتي تم إستخدامها عبر الهندسات المالية وإعطاء فوائد بأرقام عالية وغير منطقية”.

 

الحراك يلزمه غطاء!!

 

والسؤال الذي يُطرح هنا أين دور الاتحاد العمالي العام في تأطير وتنظيم الحراك الشعبي المقبل؟ يجيب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر”نداء الوطن” بالقول: “نحن ندرس كل خيارات التحرك، ويمكن أن نصل إلى الاضراب المفتوح. لكن هذه الخطوة يجب أن يؤمّن لها غطاء كبير ومن جميع القطاعات العامة والخاصة والهيئات الاقتصادية وهيئات المجتمع المدني والمهن الحرة”، مشدداً على “ضرورة أن نتفق في ما بيننا حتى يأتي التحرك في إطاره الصحيح وهذا ما نسعى إليه. الاتحاد العمالي العام كان موجوداً على الارض منذ بداية الازمة، وأعلنا مؤخراً موعدين لإضراب قطاع النقل، لكن نتيجة النصائح الامنية تم تأجيلهما. ونحن في حالة تواصل دائم مع النقابات لمتابعة ما يجري على الصعيد الاقتصادي وقد تكون إحدى الخطوات المقبلة هي النزول إلى الشارع”.

 

يتابع: “الوقائع الامنية تلقي بظلالها في هذه المرحلة خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية الهائلة التي نراها وإنسداد الافق السياسي، بالإضافة إلى أن كل تحرك على الارض يجب أن يتم التخطيط له كي يحصد نتائجه المرجوة، وفي حال قُمنا بالإضراب وعُدنا إلى أعمالنا في اليوم التالي ماذا نحصد؟”، سائلاً ايضاً “ماذا يمكن أن ينتج عن الاضرابات في ظل إستقالة كبيرة من المسؤولين عن تحمل مسؤولياتهم؟ القطاع العام الذي يشكل مصدراً أساس من مداخيل الدولة هو في حالة إضراب منذ شهور وكذلك الدوائر العقارية والنافعة وإدارة السير والجسم القضائي والمساعدين القضائيين، لكن لا أحد من المعنيين يُحرك ساكناً، فماذا تنفع الاضرابات؟ هل من استجاب أو استمع أو عالج؟”.

 

يؤكد بشارة الأسمر أن «الإتحاد يَزين خطواته بميزان الجوهرجي، كي لا تأتي هذه الخطوات ناقصة وتؤدي إلى مزيد من المآسي. منذ عامين وأنا أقول بأننا ذاهبون نحو إنفجار إجتماعي وتفلّت أمني أيضاً، وما يُعلن هو القليل مما يحصل»، مشدداً على أنهم «يقومون بمعالجات قطاعية بالتعاون مع المسؤولين، وغالباً ما تكون كمخدر آني للمشكلة في القطاعين العام والخاص، والتي تترجم عبر تحسين الاجور والمكافآت».

 

ويختم: «عارضنا التسعير بالدولار ورفع الدولار الجمركي إلى 45 ألفاً، ولم نلق آذاناً صاغية وسنكمل الحوار مع وزير المالية حول هذا الموضوع. الامور متداخلة بشكل صعب جداً، لأن الحلول للقطاع العام وزيادة رواتبه تأتي على حساب الشعب اللبناني كله، ناهيك عن أن الدولة لا يمكنها تلبية مطالبهم. نحن في دوامة مفرغة ومقفلة ولا نعرف إلى أين تسير الامور بنا».

 

يرى ديب نعمة أنه «إذا حصلت أشكال أخرى من الانفجارات الاجتماعية والسياسية يمكن أن تؤدي إلى إضعاف إضافي لمكونات السلطة، لكن لا يمكننا معرفة إذا كان هذا الامر سيؤدي إلى إنتاج بدائل عنها»، مؤكدا أن «المسار الحالي هو مسار ذاهب نحو الفوضى والانهيار الاقتصادي والاجتماعي وإنهيار شامل للدولة. ولذلك سيحصل تغيير ما في لحظة ما، ولا يجب المراهنة على التغيير الخارجي لأنه سيكون مجرد إستراحة، وترميم للسلطة الحالية إذا لم يترافق مع تغيير داخلي، بل سيكون هناك إستتباع أكبر للبنان للسياسات الخارجية بالمعنى الاقتصادي».

 

ويختم: «مثال على ذلك الحماس الذي تبديه الدول، للإستثمار في المرفأ والمرافق العامة وفي الثروة الغازية والنفطية المقبلة، وهي إستثمارات ربحية لن تؤدي إلى معالجة الازمة، وتوجيهها بما يخدم الشعب اللبناني».

 

 

فقدان جدوى”صيرفة”

 

يشير صلاح عسيران إلى أن السلطة فقدت القدرة على التدخل في أسواق العملة عبر منصة صيرفة التي لا تستطيع خفض سعر الدولار في السوق الموازية الا لفترة محدودة ثم سرعان ما يعود الدولار الى الارتفاع كما حصل عدة مرات، وتحولت المنصة الى افادة مصارف محظوظة.