Site icon IMLebanon

الشيء المقرف

 

من مأثورات الفيلسوف والعالم الرياضي الفرنسي رينيه ديكارت “الشيء المقرف في الديمقراطية أنك تضطر لسماع الأحمق”. بالتأكيد أغفل ديكارت أشياء أشد قرفاً، مثل توازي مخزونك الفكري والثقافي، في خلال الممارسة الديمقراطية، مع حشوة مخّ على شكل حذاء، أو مع حذاء يبدو لناظره من قرب على شكل مخّ. ومن الأشياء المقرفة أيضاً أن الديمقراطية تساوي بين رائحة بارفان فرنسي يطيّر العقل والقلب وسائر الحواس، وبين رائحة فم أشد فتكاً من رائحة قن دجاج. والشيء المقرف أكثر أن لا بديل عن الديمقراطية في العصر الحديث سوى أن يدوسك ديكتاتور بطرف “صبّاطه” كالصرصور.

 

في الديمقراطية تسمع الأحمق، على صفحات التواصل الإجتماعي تسمعه وتقرأه وتشاهد صورته عندما يغط على مقال كتبته، لا كي يبدي رأياً مخالفاً أو مؤيداً أو متحفّظاً، ولا كي يفتح نقاشاً، ولا كي يضيء على معلومة ناقصة ويكملها، ولا كي يصحح غلطة لغوية، ولا كي يستوضح أمراً لا سمح الله، ولا كي يهديك إلى الصراط المستقيم، بل لشتمك، وتخوينك وإبداء أصدق مشاعر الإحتقار تجاه شخصك وقلمك ومنطقك بكلمات ليست كالكلمات، مستلة من جراب الغباوة والجهل والتخلّف مجتمعين.

 

لقارئك على صفحات التواصل الإجتماعي، أو للـ”مش قاريك” دالة عليك. أحيانا يوبّخك ويرفع صوته بوجهك ويؤدّبك ويعنّفك ويتوقّع منك أن تلف ذنبك وتختفي من أمام ناظريه، أو أن تعتذر منه لأنك تطاولت على مقدّساته الدنيوية والدنيئة في آن. لا تستخّف بقارئك ولو بدا مواطناً بسيطاً، فهو في مكان ما قائد سرب من الذباب الأخضر والسادة، تغط حيث يغط وتواكبه بإسناد لفظي، فإن نسي مترادفات البعير، لوصفك أيها الكاتب، وجد ذبابة تسانده وتمدّه بالذخيرة.

 

من الأشياء المقرفة أخ ديكارت، أن الكاتب الحرّ في عصرنا هذا المختلف عن عصركم النهضوي، لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن هذا الفضاء العنكبوتي، ولا أن يعزل نفسه عن إخوانه في المواطنية والديمقراطية، مهما بلغت درجة حقارتهم. ولا تستغربنّ يا رينيه أن يُستدرج العقل الراجح إلى جِدال عقيم وسخيف ينتهي بشتيمة حداثوية وبـ”بلوك” مهما بلغت رحابة صدر الكاتب/الكاتبة استدارة وانتفاخاً وعرماً.

 

أتاحت حرية التعبير الديمقراطي المكفولة بدساتير “تويتر” و”فايسبوك” و”إنستا” وأنسبائهن في الوطن والمهجر، لكل مشبّه بالإنسان، أن يتقدّم ليصبح إنساناً أو أن يسلك الطريق الآخر فينهق أو يئز إنسجاماً مع طبيعته.