نعست الهواتف النقالة ليل الإثنين الثلثاء.. نامت باكراً مع توقف خدمات وسائل التواصل الاجتماعي… وتحديداً في لبنان. فقد ناءت هذه الوسائل بأثقال الجيوش الإلكترونية وحروبها المستعرة على أكثر من جبهة.
ربما أسعدتها هذه الإجازة القسرية من هجمات الكراهية ورفض الآخر والحروب الكلامية، التي تستخدم خلالها راجمات الإشاعات الكاذبة والتركيبات المغرضة والشتائم وهتك المحارم وتشويه السمعة، والتي يشنها المتقاتلون في سبيل الزعيم المفدى القابع في وكره لخوفه من مواجهة المواطنين الذين لا يوفر وسيلة ليبيدهم.
لعل هذا الزعيم ضاق خلقه من دون مصل هذه الوسائل التي تشعره بنشوة التفوق. لعله غادر وكره وخرج إلى الشرفة ليشم الهواء ويتأمل السماء، فسرح نظره في الظلام، وشعر بنفسه ضئيلاً وسط هذا الكون، بعدما كان في وكره يشعر بضخامة وجوده مع اللايكات المبرمجة التي لا تعد ولا تحصى، يمنحه إياها من يعمل لديه ويعرف يقيناً أن استمراره في العمل يتطلب منه النفخ في “أنا” الزعيم حتى يتوهم أنه مالئ الدنيا وشاغل الناس، وغيره نكرة.
لعله خاف قليلاً من الفضاء الحقيقي او توهم سماع أصوات غير تلك التي تعوّدها في وكره عبر رسائل تراعي ما يداعب غروره، وليس ما يفترض به سماعه ليعرف موطئ قدمه على أرض الواقع.
ولعل أكثر ما أخافه في الفضاء المفتوح شعوره أنه أعزل على رغم المرافقين والحراس. وكأن الإجراءات الأمنية لا تكفي. فالهواء الطلق يفتح الأفق أمام إحتمالات غير مدروسة ولا يمكن التحكم بها. ألم يقض مرتزقته على كل من يحب الهواء الطلق فيخرج متى يشاء والى حيث يشاء بحيث يسهل اصطياده؟
خطِرٌ هذا الهواء الطلق وهذا العالم الحقيقي. العالم الإفتراضي أكثر أماناً. يمكن التحكم به. قدرته هائلة على خوض المعارك وتوجيهها إلى حيث يجب ليكتمل المشروع. الجيوش الإلكترونية أفعل وخسائرها أقل بكثير من الجيوش الفعلية. كذلك قدرتها على الإختراق والقرصنة والتسلل والتجسس.
ومن دون هذا العالم الإفتراضي قد تتغير مخططات الحرب الحالية للإطاحة بكل من يقف حجر عثرة بوجه المشروع الأسمى. ففي هذا العالم وعبر وسائل التواصل يمكن ببساطة تركيب صورة ونشرها للنيل من عدو يسعى إلى الحقيقة والعدالة تمهيداً لإعدامه عندما تسقط ورقته، وتغريدة لئيمة يتم تعميمها ويتولى الجنود الإلكترونيون الأوفياء بثها على أوسع نطاق تؤدي الغرض في الإغتيال السياسي لمنافس لا يعرف حده ولا يقف عنده.
لو أن هتلر عاش في زمن وسائل التواصل الإجماعي لكان لا يزال يتحكم بالكرة الأرضية حتى تاريخه. لكنه سيئ الحظ، إذ جاء ورحل قبل بزوغ شمس هذه الوسائل، ولم يستطع أن يستثمر عبقرية وزير دعايته جوزيف جوبلز الذي أطلق شعار “إكذب إكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم إكذب أكثر حتى تصدق نفسك”. لم ينفعه كذبه كما ينفع الزعيم المفدى في بلادنا بفضل هذه الوسائل التي تسهِّل وتمهِّد الطريق لما يحصل على الأرض.
أووف.. شعر الزعيم أنه إستغرق في أفكاره أكثر مما يجب… ما لنا ولهتلر في هذا المساء الخريفي… عاد بسرعة إلى وكره تفقّد هاتفه بحثاً عن آخر التطورات المتعلقة بالعطل الذي شلّ وسائل التواصل… فرح كثيراً بعودتها إلى العمل… فاللائحة طويلة والإجازات القسرية ممنوعة. وممنوع زمن الـ”لا تواصل”… ومع العودة الميمونة… حيّ على خير العمل.