IMLebanon

الحماية الإجتماعية ممكنة… و”السلطة” ترفضها!

 

نعمة: السياسيّون يفضّلون برامج زبائنية يشترون بها ولاءات

 

%18 من الفقراء فقط يحظون ببرامج دعم أهملت شرائح فقيرة أخرى كثيرة!

اليونيسف قدّمت مشروع حماية للجميع… كلفته أقلّ من حلول الترقيع الحالية

متوسّط الأجر إنخفض من 800 دولار الى 92 فقط… أي تراجع 9 مرّات

البطالة 30% وتبلغ 64% بين الشباب، والعمالة غير النظامية 62%

 

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الازمة الاقتصادية والمالية، وانفلات سعر الدولار في السوق السوداء من عقاله، مع ما يعنيه ذلك من تراجع اضافي لدى أغلبية اللبنانيين في قدرة تأمين حاجاتهم الاساسية، يبرز السؤال عن امكانية تحقيق الحماية الاجتماعية لنحو 80 بالمئة من السكان باتوا يصنفون في خانة الفقراء بدرجات متفاوتة، أو ما يسمى «الفقر المتعدد الابعاد» بحسب توصيف منظمة الاسكوا.

 

 

إن كل الخطوات التي اتخذت في لبنان للتصدي للفقر، سواء قبل الازمة أو بعدها، أثبتت أنها ترقيعية، بدءاً من البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، المنبثق عن وزارة الشؤون الاجتماعية (تمّ إطلاقه في 17 تشرين الأول 2011 بتمويل من البنك الدولي والحكومة اللبنانية)، وصولاً الى برنامج «أمان» الذي تم اطلاقه بعد الازمة في العام 2021، وتستفيد منه 76,000 أسرة حتى الآن بمساعدة مالية نقدية بالدولار شهرياً (125 دولاراً) لمدة سنة كاملة، بتمويل من مجموعة البنك الدولي، وبرنامج الأغذية العالمي.

 

ندوة «تقدم»

 

الجواب على سؤال امكانية تأمين الحماية الاجتماعية للجميع، كان في طيات المقاربة التي قدمها الخبير والمستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر أديب نعمة، خلال ندوة نظمها حزب «تقدم» والتي شرح فيها أن معالجات الدولة اللبنانية لمشكلة الفقر، كانت ولا تزال وفقاً لمبدأ «صيد الثيران وصيد الارانب». بمعنى أن «البرامج والخطط التي وضعت كانت تهدف الى تحقيق استفادة حزبية وزبائنية للقوى السياسية، لاستخدامها لاحقاً في ضمان ولاءات جمهور لها. وهذا ما يمكن تسميته بصيد الارانب أي تحقيق الاهداف الشخصية، على حساب صيد الثيران أي وضع برنامج شامل لضمان الحماية الاجتماعية لجميع اللبنانيين، وهذا يتطلب تضامن وتماسك وتعاون جميع الاطراف السياسية، وهذا ما لم يحصل.

 

الأزمة تتطلب إجراءات جذرية

 

أكد نعمة في مقاربته أن «من يقول انه لا يمكن بناء نظام حماية اجتماعية في ظل الازمة، هو مخطئ بالحد الادنى ان لم يكن متواطئاً مع السلطة»، معتبراً أن «ظروف الازمة هي الظروف المناسبة جداً التي تسمح لنا باتخاذ اجراءات جذرية، وهذا أمر غير ممكن في الظروف العادية. فالخطوات الاصلاحية الراديكالية تأتي بعد حصول الدمار الشامل وهذا هو ما نعيشه على الصعيد الاجتماعي. لأن اعادة البناء من جديد على أسس صحيحة، أقل كلفة من سياسة الترقيع الاجتماعية التي تحصل اليوم».

 

معايير غير شاملة

 

يضيف: «الطبقة السياسية لا تريد هذا الامر، في حين أن 85 بالمئة من اللبنانيين يحتاجون الى مساعدة اجتماعية. وهذا يعني أنه علينا التخلي عن فكرة «استهداف» فئة معينة من المواطنين اي ما يحصل حالياً (برنامج الاسر الاكثر فقراً وبرنامج امان)، حيث يتم اعتماد معايير لمنح المساعدات، وبعد تجربتها مرات عدة تبين أنها غير نافعة»، لافتاً الى أنه «في برنامج المساعدة الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفاً وفقراً، يتم منح 125 دولاراً للفئة التي لا يتجاوز دخلها الحد الادنى للأجور (وفق معايير ما قبل الازمة)، ونسبتها من مجموع الشعب اللبناني 18 بالمئة (بحسب الرسم البياني المرفق)، ولكن عندما تجري المقارنات بينها وبين باقي فئات الشعب اللبناني (التي باتت فقيرة أيضاً)، نجد أن مدخولها سيصبح أعلى من فئات أخرى متأثرة بالازمة».

 

طبقية في فئة الفقراء

 

يوضح نعمة ان «اعطاء مساعدات بين مليون و 200 ألف ليرة ومليون و 90 ألفاً لطلاب المدارس والمهنيات الرسمية بين عمر 13 و18 عاماً، سيصب لصالح أولاد الفئة نفسها التي تم استهدافها في برنامج المساعدات بـ125 دولاراً، بالاضافة الى نيلها خدمة مراكز الخدمات الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. وهذا يعني انه سيصبح في لبنان «طبقية» في فئة الفقراء في لبنان»، مشدداً على ان «هذا الامرغير واقعي، لأن كل هذه المساعدات ستصبح غير مجدية، في حال لم يتوقف انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، ومن دون حل لمجموعة خدمات منها الكهرباء والنقل والطبابة والمياه والتعليم، الحل ليس بمساعدة عينية، بل ببرنامج خدمات».

 

بديل «الترقيع» موجود

 

ما البديل عن هذا «الترقيع» الذي تمارسه الدولة اللبنانية للتصدي للفقر؟ يجيب نعمة بأن «البدليل موجود وسبق للسلطة اللبنانية ان اطلعت عليه، وهو اقتراح مقدم من ILO – UNICEF، تتراوح كلفته بين حد ادنى هو 1.4بالمئة من الناتج المحلي، وحد اقصى هو 4.4 بالمئة، حسب الخيارات التي يتم اعتمادها في معايير التغطية ومستوى التقديمات. وفي المتوسط، يمكن ان تتراوح كلفته بين 2.5 بالمئة و3 بالمئة ويوفر تغطية جيدة لغالبية المحتاجين على امتداد دورة الحياة».

 

يوضح نعمة أن «هذا الاقتراح تزامن مع تفاوض الحكومة اللبنانية مع البنك الدولي لتمويل مشروع «امان». علماً أن اقتراح UNICEF هدفه تأسيس أرضية للحماية الاجتماعية تطال الفئات التي سيشملها البرنامج في كل مراحل حياتهم. وطرحوا انه من حيث المبدأ «الحماية الاجتماعية من حق الجميع» وان يكون هناك 5 انواع تقديمات. أولها، كل عائلة لديها طفل تمنح اعانة للطفل حتى عمر 18 سنة، وكل اسرة لديها طفل يعاني من اعاقة نعطيها اعانة للاعاقة، وايضاً اعانة للمسنين الذين لا يملكون مصدراً للدخل، بالاضافة الى حزمة لتغطية صحية شاملة، وحزمة اخرى لدعم الاسر الفقيرة».

 

يضيف: «في مرحلة ثانية يتم دعم التعويضات العائلية وضمان الشيخوخة ونظام التأمين ضد البطالة. وكانوا قاموا بدراسة تكلفة هذا المشروع في حالة منحه لكافة العائلات اللبنانية من دون استثناء (ما عدا 10 بالمئة هم من فئة الاغنياء). كما يمكن منح استثناءات للاسر التي تتمتع بتغطية صحية او دخلها بالدولار الاميركي»، معتبراً أن «هذا يعني ان البرنامج يمكن ان يشمل كل الشعب اللبناني (مليون عائلة)، مع فتح باب الشكاوى والمراجعات في حال كان هناك خطأ أو اعتراض، وهذا البرنامج هو اوفر بكثير من البرنامج الذي ينفذ اليوم، لكن الحكومة اللبنانية لم تناقشه واختاروا مشروع البنك الدولي، لأنه يتيح لهم الحصول على الاموال مباشرة واستخدامها لشراء ولاءات محازبيهم، وهذا ما حصل في البرامج التي اقرت والتي ستقر لاحقاً».

 

ويشير الى أن «التمويل يمكن تأمينه من المساعدات والقروض والهبات التي تمنح للبنان لدعم القطاع التربوي والصحي والاجتماعي… يمكن جمعها لوضع نظام متكامل للحماية الاجتماعية».

 

القوى العاملة والمداخيل

 

يبلغ عدد السكان في سن العمل (15+) 3.67 ملايين، بالاضافة الى 1.88 مليون خارج قوة العمل. وعدد القوى العاملة 1.79 مليون، ومعدل المشاركة الاقتصادية 48.8 بالمئة، منهم 1.59 مليون يعملون بشكل غير نظامي، و45 بالمئة بشكل نظامي.

 

وبلغ دخل الاسرة في لبنان قبل الازمة (2019) أقل من 650 ألف ليرة (18 بالمئة)، وأقل من 1.2 مليون ليرة (43 بالمئة) وأقل من 2.4 مليون ليرة (37 بالمئة).

 

التأمين الإجتماعي

 

نسبة المشمولين بالتأمين الاجتماعي في لبنان للعام 2019 هي 60 بالمئة وغير المشمولين 40%.

 

بين العام 2019 و2022 أظهرت الارقام، أنه للمرة الأولى تنخفض نسبة المشمولين بالتأمين الصحي الى نصف السكان، واللافت هو الإنخفاض الكبير في نسبة التأمين الخاص. من جهة أخرى، فإن التغطية الصحية الفعلية كانت تزيد عن ثلاثة ارباع الكلفة، ولكن المؤسسات الضامنة تكاد لا تعوض سوى جزء ضئيل (ربما 10بالمئة) من الكلفة الفعلية في ظل الازمة. كما ان مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفع 562 بالمئة بين كانون الأول 2018 وتشرين الأول 2021، في حين ارتفع متوسط الأجور 92 بالمئة فقط بالليرة اللبنانية. كان متوسط الأجور 1.2 مليون ليرة أي حوالى 800$، واصبح 92$. أي ان متوسط الاجر قد انخفض حوالى 9 مرات.

 

كما أصبح معدل النشاط الاقتصادي 43 بالمئة بعد ان كان 49 بالمئة قبل الازمة، ومعدل البطالة الضيق 30 بالمئة بدل 11 بالمئة في العام 2019. وبلغ معدل بطالة الشباب 64 بالمئة بدل 29 بالمئة قبل الازمة، ومعدل العمل غير النظامي 62 بدل 55 بالمئة، والعمل النظامي 35 بالمئة بدل 45 بالمئة.

 

خلاصة

 

ويختم: «لا يمكن اجتزاء الحل في لبنان، وهناك تلازم بين التغيير السياسي والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي. في الازمات، التغيير الحاسم والتحول الى خيارات استراتيجية جديدة اكثر واقعية من الترقيع غير المجدي. في لبنان لا يمكننا اجتزاء الحل لتأمين الحماية الاجتماعية، لسبب بسيط لأنه لدينا مجموعة عصابات متحدة تتقاسم غنائم السلطة، ولا بد من تغيير سياسي لهذه السلطة وبعدها ندخل على الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي».

 

إحصاءات عن السكان

 

خلال الندوة عرض نعمة لمجموعة من الارقام ومعطيات احصائية، صادرة عن دائرة الاحصاء المركزي ارتكز عليها في تقديم مقاربته، ويمكن من خلالها عرض صورة الواقع الاجتماعي في لبنان، ونماذج من السياسات المتبعة في الشق الاجتماعي، لاثبات ان اعتماد نظام متكامل للحماية الاجتماعية ضروري، اذ بلغ عدد سكان لبنان 4.8 ملايين في عام 2019، ويبلغ اجمالي عدد الأسر المقيمة في لبنان 1.267 مليون اسرة، ومتوسط حجم الأسرة هو 3.8 أفراد، و هو 3.7 أفراد للبنانيين، في حين هو 4.6 أفراد لغير اللبنانيين.

 

ومتوسط حجم الأسرة الأدنى هو في المتوسط في جزين (3.3)، والبترون وكسروان وبيروت (3.4)، في حين هي الأعلى في عكار (4.8) والمنية – الضنية (4.7)، ونسبة العمل غير النظامي 55 بالمئة من القوى العاملة، ثلثهم يعمل في القطاع النظامي بما في ذلك القطاع العام! كما يمثل العمل غير النظامي 28 بالمئة من القوى العاملة اللبنانية و91 بالمئة من القوى العاملة غير اللبنانية.