«حرب الصلاحيات» بين مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمدير العام للصندوق محمد كركي مستمرة، وهي تخفي وراءها خللاً نجمت عنه مخالفات مالية واسعة.
أمس، عقدت هيئة مكتب مجلس الإدارة جلسة أصدرت بعدها القرار الرقم 881 الذي يلغي تعميماً أصدره كركي مطلع هذا الشهر (يحمل الرقم 2157 ويستند فيه إلى الفقرة السابعة من المادة 22 من نظام المستخدمين)، «يحظّر على المستخدمين في الصندوق وخاصة المدراء ورؤساء المصالح والدوائر والمكاتب، الاتصال أو التواصل، أو إعطاء أية معلومة لأي عضو من أعضاء مجلس الإدارة مهما كانت صفته، تحت طائلة المساءلة المسلكية المشدّدة».
استندت الهيئة إلى أن التعميم مشوب بخطأ جسيم ومخالفة صريحة للمادة 1 من النظام رقم 3 (صلاحيات المدير العام) «بحيث يعمل المدير العام تحت إشراف مجلس الإدارة وليس العكس، كما أن رئيس مجلس الإدارة مؤتمن على المجلس ويتولى تطبيقاً للقوانين متابعة تنفيذ قرارات مجلس الإدارة». وبذلك، طلب المجلس إلى المدير العام «اعتبار التعميم منعدم الموجود لمخالفته الصريحة قانون الضمان الاجتماعي وأنظمته…».
بالأرقام
600 مليار ليرة
تقديرات عن ممارسة الغشّ في اشتراكات صندوق الضمان
945 مليون دولار
هي قيمة أموال فرع نهاية الخدمة بعدما كانت تبلغ 8 مليارات دولار
4000 مليار ليرة
هي قيمة الديون المترتبة على الدولة لمصلحة الضمان
قد تبدو المشكلة متعلقة بإدلاء أحد المستخدمين في الصندوق بمعلومات خطيرة لأحد أعضاء مجلس الإدارة، وأن معلومات كهذه استعملت في المجلس لمساءلة المدير العام. لكن الأمر ليس على هذه الشاكلة، بل إن هناك خلافاً قديماً بين كركي الذي يمثّل السلطة التنفيذية وبعض أعضاء المجلس الذي يمثّل السلطة التقريرية، يتعلق بمخالفات مالية في الصندوق ومسؤوليات يتم تقاذفها بين الاثنين في إطار «المجلس يقرّر والمدير العام ينفّذ». فهل قرّر المجلس شيئاً، ونفّذ المدير العام أشياء أخرى؟ وأيهما يتحمّل المسؤولية في هذا الإطار؟
الخلاف بين الطرفين يتجدّد بشكل دوري، وسبقه خلاف مع ستة أعضاء في المجلس وجّهوا كتباً إلى رئاسة مجلس الضمان وإلى أكثر من جهة رسمية تفيد بأن هناك خللاً في إدارة الصندوق ينتج مخالفات مالية واسعة. ويشير أحد هذه الكتب إلى أن الصندوق «سجّل فشلاً ذريعاً في القيام بوظيفته وفي تحقيق أهداف نظام الضمان الاجتماعي، إذ يفتقر إلى أدنى مواصفات المؤسسة العامة، حيث لا موازنات عامة، ولا مكننة شاملة منذ عام 2006، ولا هيكلية إدارية ولا ملاكات وتوصيف وظائف، ولا رقابة مركزية تقيّم الأداء وتسائل، إضافة إلى تأخّر في تصفية ودفع مستحقات الأفراد والمؤسّسات العائدة للتقديمات الصحية شهوراً وسنوات، وجباية غير فاعلة للاشتراكات، وتفشّي عمليات الغشّ والفساد، وعدم تنفيذ مشاريع الإصلاح الداخلية والخارجية، وعدم كفاءة توظيف أموال الصندوق».
والواقع، أن الصندوق ليس فيه قطع حساب منذ عام 2006، ولم تقر الموازنة الإدارية للضمان منذ 2019 علماً بأن الموازنات السابقة كانت ترفع إلى المجلس متأخرة عن موعدها، وتقرّ متأخّرة بحسب كتب الأعضاء الستة. وفي أحد الكتب بتاريخ 11 شباط 2022، يتبيّن أن العجز في فرع ضمان المرض والأمومة بدأ يظهر منذ 2002 واستنفد الاحتياط القانوني «بفعل الهدر في تقديمات الضمان الصحي من جهة، وبفعل تخلّف الدولة عن تسديد التزاماتها المالية تجاه الصندوق من جهة أخرى». لكن «الإدارة لم تبادر إلى معالجة الوضع قبل أن يتفاقم، بل عمدت إلى نفي وجود العجز واعتبرته نقصاً في السيولة، وعمدت إلى تغطيته بمأخوذات من أموال فرع نهاية الخدمة خلافاً للقانون ومن دون قرار من مجلس الإدارة، ثم لجأت أخيراً إلى تقليص عمليات التصفية والدفع للتخفيف من أرقام العجز، فتدنّت مدفوعات الضمان الصحي تدريجاً من 1200 مليار ليرة في 2016 إلى أقلّ من 600 مليار ليرة في 2021، إنما مقابل تراكم المعاملات غير المدفوعة والديون المرتبطة بها لتصبح بآلاف المليارات».
أما في فرع نهاية الخدمة، فكانت أموال نهاية الخدمة «تساوي 8 مليارات دولار، وأصبحت تساوي حالياً 545 مليون دولار، إضافة إلى 400 مليون دولار مستثمرة بالعملة الأميركية، أي ما يساوي 945 مليون دولار». ويلفت الكتاب إلى أن «أخطر الممارسات في إدارة أنظمة الضمان الاجتماعي هي التي تتوسّل طريقة الاستدانة لتمويل التقديمات… إذ بلغ الدين لتغطية عجز الضمان الصحي نحو 4 آلاف مليار ليرة وتترتب عليه فوائد بما يعادل 240 مليار ليرة سنوياً».
وعلى الصعيد الإداري، يتحدّث الكتاب عن «تفشّي أعمال الغشّ والفساد سواء في التقديمات أو الاشتراكات، في غياب المراقبة الرادعة وعدم التهيب من استباحة الأموال العمومية، ما يثير القلق بشأن ديمومة هذا النظام». فالغشّ في الاشتراكات بحسب تقديرات الأعضاء الستة، يقدّر بنحو «60 مليار ليرة كمتوسط سنوي، وفقاً لنتائج أعمال المراقبة والتفتيش في الصندوق والتي شملت 10% فقط من عدد المضمونين، وإذا توسعت هذه العينة سيصل إلى 600 مليار ليرة سنوياً».