Site icon IMLebanon

تعويضات نهاية الخدمة تضيع على درب “التعميم 148” وتهدّد بضياع القيمة الشرائية

 

الضمان الاجتماعي يطالب بمساواة المضمونين مع صغار المودعين

 

 

فرض انهيار سعر صرف العملة نفسه ضيفاً ثقيلاً على مصرف لبنان. وفي ظل تهرّب “الاهل” من استقباله، وجد “المركزي” نفسه مجبراً على تتميم واجباته تجاه هذا الزائر المتوقع. فحمل على “صينية” الضيافة الاولى دعم السلع المستوردة على السعر الرسمي، وعلى “الصينية” الثانية رَفَع القيمة الشرائية لاصحاب الدخول بالليرة اللبنانية. ضيافةٌ باهظة كلفت البلد ما تبقى من احتياطي العملات الاجنبية من جهة، وتضخماً غير مسبوق نتيجة طباعة الليرة من الجهة الثانية.

 

محاولة انصاف صغار المودعين عبر التعميم 148، الذي أجاز تحويل الودائع التي تقل عن 5 ملايين ليرة الى الدولار وفق السعر الرسمي (1507) ومن ثم سحبها بالليرة وفق سعر السوق، ساهمت في رفع سعر صرف الدولار من 2850 مطلع نيسان، إلى أكثر من 9 آلاف، قبل ان يستقر أخيراً عند حدود 7500 ليرة.

 

حماية تعويضات نهاية الخدمة

 

هذه المحاولة تتكرر اليوم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فتحت عنوان “حماية القيمة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة” رفع الصندوق إلى “المركزي” طلباً بمعاملة تعويضات نهاية الخدمة، بالطريقة نفسها التي اعتُمِدت مع أصحاب الودائع الصغيرة. بمعنى ان التعويضات المستحقة تقسم على 1507 وتضرب بسعر المنصة أي 3900 ليرة. وبالتالي بدل من أن يكون التعويض بقيمة 10 ملايين ليرة يعادل حوالى 1300 دولار على سبيل المثال، ترتفع قيمته إلى 26 مليوناً أي 3466 دولاراً. وفي موازاة الطلب المرفوع من الصندوق هناك مطالبات بان يكون بمفعول رجعي، وان يشمل المضمونين الذين قبضوا تعويضاتهم منذ بداية العام 2020. أرقام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تشير إلى ان المبالغ المدفوعة للتعويضات منذ بداية العام ولغاية أواخر تموز بلغت حوالى 437 مليار ليرة، ومن المتوقع بان تقارب عند نهاية العام الرقم الذي دفع العام الماضي وبلغ نحو 900 مليار ليرة. وبعملية حسابية بسيطة فان الفرق الذي سيتحمله المركزي سيبلغ حوالى 1440 مليار ليرة (600 مليون دولار × 3900 = 2340 مليار ليرة. مطروح منها 900 مليار يدفعها الضمان).

 

طباعة العملة مستمرة

 

الفرق الذي سيتحمله “المركزي” يعادل تقريباً ما يطبعه شهرياً من الليرات. فانطلاقاً من احصاءات المركزي التي تشير إلى ان الكتلة النقدية الموضوعة في التداول ارتفعت من 7 آلاف مليار ليرة في 17 تشرين الاول من العام الماضي إلى نحو 20.1 ملياراً في منتصف تموز الفائت، نستخلص ان الكتلة النقدية التي ترتفع شهرياً بوتيرة تتراوح بين 1500 مليار و2000 مليار ليرة ستزيد بنحو 120 ملياراً شهرياً.

 

إذا تخلينا للحظة عن الشعارات المحقة بضرورة حفظ جنى عمر المضمونين، ووضعنا في كفة ميزان التضخم ما سيربحه المضمونون من هذا الاجراء، وفي كفة أخرى ما سيخسرونه من قدرتهم الشرائية نتيجة الارتفاع الحتمي للأسعار، فلأي جهة سَتَرجح الكفة؟

 

لا تشك الباحثة الاقتصادية ليال منصور للحظة بأن “ارتفاع الاسعار نتيجة طباعة العملة سيمتص أي زيادة تلحق بالتعويضات”. لكن ما يحدث برأيها ان “المضمون الذي لا يتقبّل بأي شكل من الاشكال ان يتقاضى تعويضه على سعر 1500 ليرة، لا يستطيع استيعاب فكرة بان الفرق الذي سيحصل عليه يرتب اعباءً تضخمية. وهذا ما يعرف في علم النفس بـ”وهم المال” الذي يخفف الضغط عن المستفيد ويريح نفسيته ولو ان انعكاساته الاقتصادية خطيرة جداً”.

 

التضخم يمتص الزيادة

 

الفرق الذي سيربحه المضمون من قبض تعويضه على أساس سعر صرف 3900 بدلاً من 1500 لا يتخطى 25 في المئة في حال اعتبرنا ان سعر صرف السوق هو 7500 ليرة. والنسبة المئوية المحققة (25%) ترتبط بعلاقة عكسية مع سعر السوق. بمعنى انها ستتدنى مع كل ارتفاع في سعر الصرف. وفي ما خص تعويضات الضمان فان فقدانها لقيمتها يعتبر حتمياً في ظل استمرار ارتفاع اسعار السلع والخدمات، ذلك لان الغرض منها عادة ما يكون إدخارياً وليس الصرف الآني.

 

التجارب السابقة تظهر بما لا يقبل الشك خطورة زيادة الرواتب والتعويضات الممولة من طباعة العملة في اقتصاد منكمش لا ينمو. ويكفي ان نستذكر سلسلة الرتب والرواتب والتعميم 148. فبعد نحو عامين على اعطاء السلسلة فقدت الرواتب 80 في المئة من قيمتها. أما في ما خص التعميم 148 فمن قبض وديعته على سعر 2000 ليرة في نيسان خسر الزيادة وأكثر منها بأضعاف بعد شهر فقط.

 

ما الحل؟

 

لم يعد يختلف اثنان على ان الاصلاحات الجذرية في القطاع العام ومؤسسات الدولة هي الحل الوحيد المتبقي أمام لبنان. والورقة الفرنسية (خريطة الطريق) أعادت التأكيد للمرة الألف على ما يجب تنفيذه، ويمكن اختصاره بالتالي: اصلاح القطاع العام، المباشرة بخطة الكهرباء كما نصت عليها دراسة كهرباء فرنسا، اقرار قوانين تقييد رأس المال وهيكلة القطاع المصرفي، تخفيض نفقات القطاع العام واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وبرأي منصور فان “الحل الامثل للجم نفقات الدولة هو باعتماد صندوق تثبيت القطع او ما يعرف بـ “currency board” والذي ينص بشكل أساسي على طباعة ليرات بمقدار ما يتوفر من دولارات. أي على العملة الوطنية ان تكون مغطاة بنسبة 100 في المئة بالدولار. وهو ما يساهم برأيها بوقف الطباعة العشوائية للعملة، ويجبر القطاع العام على تنفيذ الاصلاحات وتخفيض النفقات لانه فقد مطبعة مصرف لبنان”.