لا يفهم أحد ما هو سقف المواجهة الذي يريده رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، وكيف سيكون تموضعه السياسي في الأيام المقبلة؟
بات جنبلاط على يقين تام أن هناك أمراً كبيراً قد حصل بعد 17 تشرين، وأن هناك تغييراً بعد انتفاضة الشعب اللبناني وهذا الأمر لا يمكن تجاهله وإلا سيبقى الشارع منتفضاً وثائراً.
يرفع جنبلاط سقف مطالبه السياسية، فهو كان أول من طالب بإسقاط العهد بعد اندلاع الإنتفاضة الشعبية، من ثمّ طالب باستقالة الرئيس سعد الحريري، وكان الأجرأ عندما تبنّى خيار السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، وذهب بعيداً في “عناده” حيث قاطع الإستشارات النيابية غير الملزمة يوم السبت.
وتُعتبر خطوة مقاطعة كتلة “اللقاء الديموقراطي” الإستشارات إستثنائية، إذ إن البعض وصفها بأنها “ملكيّة أكثر من الملك” لأن الرئيس سعد الحريري وحتى كتلة “القوات اللبنانية” شاركا في الإستشارات وقالا ما لديهما للرئيس المكلّف حسّان دياب، إلا أن “الإشتراكي” قرّر كسر الجرّة مع دياب وتأكيده عدم المشاركة في الحكومة الجديدة ما يفسّر أن الإتجاه هو للقطيعة وليس المقاطعة فقط.
يقرأ جنبلاط ومعه الحزب “التقدّمي الإشتراكي” في كتاب التغيرات الإقليمية والدولية التي تحصل، ويحاول إستشراف ملامح المرحلة المقبلة، لكن الإستنتاج الذي خرج به الجميع خصوصاً بعد زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى بيروت بأن واشنطن ليست في وارد الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران على أرض لبنان، ويهمها صون أمن لبنان واستقراره، وتتعاطى بـ”القطعة” مع التطورات الراهنة إذ إنها لا تريد أن تواجه حكومة لم تولد بعد، والموقف يُتّخذ على أساس ما سيُقدم عليه دياب.
في المقابل، فإن هيل أوحى لمن التقاهم أن ظروف التسوية الأميركية – الإيرانية لم تنضج بعد، لكن هذا لا يعني أن أرض لبنان ستتحوّل أرض مواجهات، بل إنّ اللعبة تحصل من ضمن الخطوط العريضة المرسومة وكل ذلك تحت سقف الأمن المضبوط.
يرفض “الإشتراكي” مقولة أن ترشيحه لنواف سلام، ومن ثمّ مقاطعته الإستشارات النيابية غير المُلزمة، وراءهما طلب أميركي أو سعودي، فالحزب يدأب منذ فترة طويلة على فتح علاقات مع كل الدول القريبة من لبنان وعلى رأسها روسيا، وبالتالي فإن تطورات الساحة اللبنانية تفرض نفسها على الحياة السياسيّة، ولا توجد أي كلمات سرّ خارجية أو تدخّل لأن لبنان لا يدخل حالياً في حسابات الدول الكبرى. ويرى “الإشتراكي” أن خطّ الزلازل الممتدّ من لبنان مروراً بسوريا وصولاً إلى العراق وإيران مترابط، والسطوة الإيرانية على البلدان العربية لا تزال مستمرّة، وبالتالي فإن حلّ الأزمة اللبنانية لا يمكن أن يحصل بمعزل عن أزمة العراق.
وكانت تحية جنبلاط على حسابه على “تويتر” باللغة الإنكليزية الى الناشط العراقي صفا السراي الذي قضى منذ أسابيع خلال المواجهات بين قوى الأمن والمنتفضين من المواطنين العراقيين خير دليل عن متابعة جنبلاط للوضع العراقي وتقديره لأهمية ما يحصل هناك.
وبات “الإشتراكي” متأكداً أن لا عودة إلى الإصطفافات السابقة، أي 8 و14 آذار، وبالتالي باتت مهمته البحث عن دور جديد يلاقي تطلّعات المرحلة المقبلة، فالثورة “خلخلت” تركيبة كل الأحزاب، وهذا الأمر يعترف به كوادر الحزب، والإستمرار في اللعبة السياسية لا يمكن أن يحصل من دون تطوير داخلي.
بعد اندلاع الربيع العربي، وتحديداً الثورة السورية، وقف جنبلاط أمام جماهيره واعداً بمتابعة هذا المتغير العربي الجديد ومؤكداً أن الحزب “الإشتراكي” سيواكب كل تلك المتغيرات، لكن بعد مرور حوالى تسع سنوات بقيت الأمور داخل الحزب على ما هي عليه ولم يحصل التغيير المطلوب، لذلك فإن جنبلاط سيكون بين اختبارين، إختبار حزبي داخلي واختبار على صعيد السياسة الوطنية الجديدة.