منذ نحو أسبوعين أقرّ النائب وليد جنبلاط في تغريدة له على موقع «تويتر» بأنّ «الدَوزنة مع رئيس الحُكومة سعد الحريري تشوبها ثغرات موضوعيّة حول بعض الملفّات تأخذ لاحقًا بُعدًا ذاتيًا نحن بغنى عنه». ومنذ يومين زار جنبلاط الحريري في بيت الوسط، وتحدّثت مصادرهما عن أنّ اللقاء تناول آخر المُستجدات المحلّية والإقليميّة، علمًا أنّ لقاء مُماثلاً كان عُقد بين الزعيمين في 23 آب الماضي، وخرج رئيس «الإشتراكي» في نهايته مُتحدّثًا في حينه عن «وجهات نظر مُتفاوتة، لكن ليس هناك إشكال في السياسة»، وقال ردًّا على سؤال: «كانت هناك خلافات، علينا أن ننظّم هذه الخلافات إن صحّ التعبير، أو أن نستمع للشيخ سعد في طروحاته». فما الذي يحصل بين رئيسي «الإشتراكي» و«المُستقبل»، وهل ستطيح الخلافات في وجهات النظر تحالفهما السابق، أم أنّ تحالفهما إنتخابيًا حتمي مُستقبلاً بغض النظر عن التباعد؟
أوساط كل من «الحزب التقدّمي الإشتراكي» و«تيّار المُستقبل» تنفي وُجود خلافات مُهمّة بين الحزبين أو بين رئيسيهما، وتتحدّث عن وُجهات نظر مُتفاوتة بشأن بعض الملفّات الداخليّة لا أكثر، لكنّ مصادر سياسيّة مُطلعة تتحدّث عن خلافات أعمق بكثير من مُجرّد تباينات في الأسلوب الواجب إتباعه لمُعالجة الملفّات الداخليّة، وتعود جذورها للخيار الذي إتخذه جنبلاط بدعم تكليف النائب نجيب ميقاتي رئيسًا للحُكومة اللبنانية على حساب خسارة الحريري للأغلبيّة النيابية الداعمة له في العام 2011، وتمرّ بتبنّي الحريري للتسوية الرئاسيّة التي قضت بإنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجُمهوريّة اللبنانيّة بعكس إرادة جنبلاط في حينه، وتصل إلى تفرّد رئيس الحكومة في سياسات إستراتيجيّة وخيارات مصيريّة من دون أي تنسيق مع جنبلاط الذي فقد القُدرة على التأثير في السياسة الداخليّة اللبنانيّة. وأضافت المصادر أنّ عتب جنبلاط على سياسة الحريري يتراوح بين الشؤون الصغيرة لإدارة الدولة، وُصولاً إلى الخيارات السياسيّة الكبرى، وما يعتبره جنبلاط تنازلات مجانية من الحريري لا تعود بأي فائدة أو مكسب لا على «المُستقبل» ولا على أي من حلفائه السابقين أيضًا. وأضافت المصادر نفسها أنّ رئيس «الإشتراكي» يلوم رئيس الحكومة بأنّه قدّم الكثير من التنازلات لصالح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بحجّة تجنّب الصدام مع العهد، ما أسفر عن نقل النهج السياسي العام في البلاد من مكان إلى آخر، مُشتكيًا من عدم تعامل «التيار الوطني الحُرّ» بإيجابيّة معه.
وأكّدت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّه على الرغم من كل هذه الأجواء غيرالسليمة بين الطرفين، فإنّ المثل اللبناني الذي يقول «المُصيبة بتجمع»، ينطبق تمامًا على وضع كل من «تيّار المُستقبل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» بالنسبة إلى قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد، والذي إنجرف كل منهما إليه بحكم الأمر الواقع وتطوّر الأمور وليس عن قناعة، مع تسجيل دور أكبر للحريري في تمرير القانون بحكم الواقعيّة السياسيّة في مُقابل عدم تمكّن جنبلاط من تعطيله. وأضافت أمّا وقد حصل ما حصل، فإنّ الطرفين مُلزمان الدُخول في لوائح مُشتركة وتجاوز كل الخلافات بينهما، القديمة والجديدة منها على السواء. ولفتت المصادر إلى أنّ «الحزب الإشتراكي» القوي شعبيًا في دائرة «الشوف وعاليه» بحاجة إلى أصوات الكتلة السنّية الناخبة في إقليم الخروب لمواجهة ما يجري العمل على تشكيله من لوائح مُضادة للائحة «الإشتراكي – القوّات»، خاصة من قبل رئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهّاب، إضافة إلى إنتظار قرار تموضع «التيار الوطني الحُرّ» الإنتخابي النهائي في «الشوف وعاليه»، وكذلك معرفة تموضع بعض الشخصيّات النافذة في المنطقة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الوزير السابق ناجي البستاني، علمًا أنّ عدد الناخبين السنّة في الإقليم تجاوز عتبة الخمسين ألف ناخب، وهو صار بالتالي رقمًا مُهمًّا في معادلة النسبيّة، مع التذكير أنّه في إنتخابات العام 2009 صوّت ما نسبته 75 % من الناخبين السُنّة لمصلحة لائحة قوى «14 آذار» في حينه.
وكشفت المصادر أنّ التنسيق بين «الإشتراكي» و«المُستقبل»، إن على مُستوى القيادات أو الموفدين، يتركّز على سُبل إنضاج لائحة قويّة، مع ضمّ أكبر عدد مُمكن من الشخصيّات والأحزاب والقوى التي تتمتّع بقوّة تمثيليّة في المنطقة، منعًا لتكاثر الخُصوم على اللوائح المُقابلة. وقالت المصادر إنّ قرار جنبلاط ترشيح الدكتور بلال عبد الله من منطقة شحيم ذات الثقل الإنتخابي الأكبر في الإقليم، عن أحد المقعدين السنّين، بالتزامن مع الإستغناء عن النائب الحالي علاء الدين ترّو الذي كان محسوبًا على كتلة «الإشتراكي» في الإنتخابات السابقة والذي هو من بلدة برجا التي تحلّ في المركز الثاني من حيث الثقل الإنتخابي في الإقليم بعد شحيم، ، سبّب المتاعب للمُستقبل الذي ينحدر نائبه الحالي محمد الحجّار من بلدة شحيم أيضًا. وأضافت أنّ «المُستقبل» سيكون مُضطرًا في نهاية المطاف في حال الدخول في تحالف المصلحة المُشتركة إذا جاز التعبير مع «الإشتراكي»، لدعم مُرشّحين إثنين من بلدة شحيم، أو الإستغناء عن الحجّار كنائب عن المنطقة لصالح تقديم شخصيّة جديدة من بلدة برجا لتعزيز دائرة جذب أصوات الناخبين السنة الذين يحظون بمقعدين في دائرة «الشوف وعاليه» من أصل 13 مقعدًا.
وتابعت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّ ما ينطبق على الدائرة المذكورة ينسحب أيضًا على دائرة «البقاع الغربي – راشيا» حيث على كل من «الإشتراكي» و«المُستقبل» البقاء ضمن لائحة واحدة مع «القوات اللبنانيّة»، لمُواجهة اللائحة المُنافسة التي يعمل على تشكيلها النائب السابق عبد الرحيم مراد والتي يُنتظر أن تكون قويّة وتضمّ النائب السابق إيلي الفرزلي وتحظى بدعم كل من «التيار الوطني الحُرّ» و«الثنائي الشيعي» وغيرهم من القوى. وليس بسرّ أنّ الطائفة السنّية هي الناخب الأكبر في هذه الدائرة المتنوّعة مذهبيًا وسياسيًا، حيث أنّ نصف الناخبين تقريبًا هم من المذهب السنّي، مع التذكير أنّه في إنتخابات العام 2009 نالت لائحة قوى «14 آذار» في حينه ما نسبته 73 % من أصوات هذه الكتلة المذهبيّة الناخبة، و68 % من المُقترعين الدروز، و46 % من المُقترعين الموارنة، و37 % من المُقترعين الروم الكاثوليك، و30 % من المُقترعين الروم الأرثوذكس، و3,3 % فقط من أصوات المُقترعين الشيعة.
وختمت المصادر السياسيّة المُطلعة كلامها بالقول إنّ الهاجس الأكبر الذي يؤرق النائب جنبلاط يتمثّل في أن يفاجئ رئيس الحكومة الجميع في نهاية المطاف بإعلان تحالف إنتخابي مع «التيار الوطني الحُرّ». وأضافت أنّه بما أنّ فرص هذا الخيار آخذة في التراجع أكثر فأكثر وبوتيرة سريعة مع الإقتراب من موعد الإنتخابات، فإنّ تحالف المصلحة الإنتخابية سيتم بين «الإشتراكي» و«المُستقبل» والعلاقات الثنائية ستذهب نحو التحسّن مُجدًدًا في المرحلة المُقبلة.