تختلط الملفات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية. ففي بلد مثل لبنان لا يمكن فصل تداعيات الأزمة السياسية عن باقي الأزمات. وينطلق الإصلاح الحقيقي من إصلاح في السياسة ويتجلّى بانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة إصلاحية. ولا ينتظر الحزب التقدمي الإشتراكي جلاء المشهد السياسي للتحرّك على الأرض إلى جانب الناس مع إعطاء الإتصالات السياسية أولوية، بعدما قرأ النائب السابق وليد جنبلاط عمق الأزمة، وأعطى توجيهاته منذ عام 2019 لمواجهتها. وأتت أزمة «كورونا» لتزيد المعاناة، لكن في القاموس الإشتراكي لا يمكن لأحد مهما بلغ من قوة الحلول محل الشعب.
يحاول جنبلاط فعل كل شيء للوقوف إلى جانب أهل الجبل، فقد كثّف إتصالاته الخارجية، وحاول الإتكال على ما تبقّى من دولة لتقديم شيء ما للناس. وبما أنّ الأزمة الإقتصادية أثّرت في كل القطاعات وعلى رأسها القطاع الطبي الذي استنزف كل القوى والأحزاب، تفرّغ رئيس لجنة الصحة البرلمانية النائب بلال عبدالله لمحاولة إيجاد حلول عبر الدولة، فكان الحلّ برفع التغطية الصحية لوزارة الصحة ما يخفّف عن كاهل المواطنين عبء الإستشفاء، ويؤسس لمرحلة طبية جديدة مكفولة بالقانون تحفظ حق المريض والطبيب والمستشفى، بعيداً عن الشعبوية.
وبالزخم نفسه، يتابع التقدمي الإتصالات السياسية، ويعتبر التمديد للبلديات سنة إضافية هو ضرب للعمل البلدي، فيما تحتاج البلديات لإعادة بث الروح فيها والقيام بدورها، لذلك هناك اتجاه لدى «اللقاء الديموقراطي» لطلب تأجيل الإنتخابات لأشهر، إذا كان هناك وضع أمني صعب يمنع إجراءها، لكن التمديد المفتوح مرفوض عنده، وهذا الموقف سيبلغه الإشتراكي الى أصحاب العلاقة عندما يُوضع هذا الموضوع على نار حامية.
يتساقط هيكل الدولة، ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل عام 2019، لكن الإشتراكي يسعى للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات وعلى رأسها المؤسسات الأمنية الشرعية، وإلا ستكون إعادة النهوض صعبة في حال شمل الإنهيار المؤسسات الأمنية، وعندها تصبح قيامة لبنان صعبة للغاية.
لا يزال الإشتراكي يرى صعوبة في إجراء الإستحقاق الرئاسي في هذا الظرف. وفي نظره الإستحقاق ما زال في قعر الهاوية ولم يخرج منها بعد، وموقفه هو البقاء على التقاطع على إسم الوزير السابق جهاد أزعور إذا دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى جلسة جديدة لإنتخاب رئيس. ويُبقي جنبلاط قنوات الإتصال مفتوحة مع برّي، والمشاورات تتمّ عبر جنبلاط الأب أو النائب تيمور جنبلاط أو النواب، لكن موقف الإشتراكي لا يزال ثابتاً في عدم الموافقة على مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية.
ومثلما هو المشهد الإقليمي، لا يرى الإشتراكي حلاً قريباً للأزمة الرئاسية، فحرب غزة تفرض إيقاعها، وتطورات الجنوب والعلاقة الأميركية – الإيرانية هي التي تحدّد إتجاه البوصلة الرئاسية على رغم كل محاولات «لبننة» الإستحقاق الرئاسي. يتعامل الإشتراكي بإيجابية مع المبادرات التي تُطرح من كل الجهات، فهو على تواصل مستمر مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وعلى إتصال دائم بـ»القوات اللبنانية» والمعارضة السيادية والمستقلّة، ولا يُغلق الأبواب أمام التواصل مع «التيار الوطني الحرّ».
ومنح الإشتراكي الضوء الأخضر لمبادرة كتلة «الاعتدال الوطني» وسار بها، لكن الضوء الأحمر أتى من «الثنائي الشيعي»، في حين لا يعلّق الآمال الكثيرة على جولات اللجنة الخُماسية، لأنّ المعطيات على الأرض لا تدل على حدوث انفراج قريب. لا يستفز جنبلاط «حزب الله» في هذه المرحلة، لأنه يرى الأولوية في إمرار حرب غزة والجنوب وسط التخوف من سيناريو حرب مدمرة سيدفع كل لبنان ثمنها، وليس «الحزب» وحده.