تتّجه الأوضاع السياسية الداخلية والمرتبطة بتداعيات حادثة البساتين نحو التأزم، ولا سيما أنها خرجت من نطاقها الجغرافي المحدود إلى الإطار العام بعدما دخلت المرجعيات السياسية على خط هذه الأزمة، وبالتالي، باتت الحرب مفتوحة بين المختارة والعهد بعد بيان بعبدا، والذي شنّ هجوماً عنيفاً على رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، وهذه المسألة أعادت إلى الأذهان ما كان يحصل في حقبة الثمانينات من صراع سياسي وأمني بين الحزب التقدمي الإشتراكي والعماد ميشال عون، في حين أن اللافت في ما يجري من تصعيد سياسي وانقسامات وخلافات، إنما يتمحور حول إعادة شد عصب قوى الرابع عشر من آذار، إذ تبدي أوساط نيابية في قوى 14 آذار، ارتياحها وتقديرها لموقف جعجع، والذي يحصّن مصالحة الجبل ويخلق توازناً درزياً ـ مسيحياً، باعتبار أن البعض يسعى لتصوير الصراع السياسي الدائر في الجبل بأنه صراع درزي ـ مسيحي أو درزي ـ درزي، بينما تؤكد هذه الأوساط، أن ما يحصل هو استهداف سياسي لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، وقد أظهر مسار المرحلة الراهنة حتمية هذا الاستهداف.
وفي هذا الإطار، كشفت الأوساط أن الحزب التقدمي الإشتراكي سيطلق أوسع حملة سياسية داخلية وخارجية لوضع الجميع في صورة ما يجري من انتهاكات سياسية وقضائية وتدخلات وأجندات إقليمية قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، إذا ما استمرّت الأمور على ما هي عليه من تجييش طائفي وتصعيد سياسي وانحياز السلطة بشكل فاضح، مما يخرجها عن دورها الميثاقي والدستوري والحيادي، كما كشفت عن تفعيل الإتصالات وتحديداً من خلال مخرج لهذه الأزمة المفتوحة، وذلك من خلال ما يقوم به الرئيس نبيه بري من اتصالات على خط بعبدا ـ بيت الوسط ـ حارة حريك، ولا سيما أنه قد يكون الوحيد القادر على تدوير الزوايا، باعتباره يدرك مسألة التوازنات الطائفية والسياسية الداخلية، وبالتالي، هو على دراية تامة لوضع الجبل وخصوصيته ومعرفته الوثيقة بالزعامة الجنبلاطية ودورها وحضورها من خلال علاقته وصداقته القديمة بجنبلاط، وبناء عليه، فإنه يركّز على ضرورة فصل حادثة البساتين عن الحكومة ودورها وعملها، لأن رئيس المجلس النيابي يعلم علم اليقين أنه، وفي حال إصرار البعض على عرض هذه المسألة على الحكومة، فذلك يعني تفجير الحكومة من الداخل، وربما وصول الأمور إلى ما هو أخطر بكثير، فإما اعتكاف رئيسها أو استقالته، أي هناك مخاطر وعواقب وخيمة لهذا الطرح.
وفي هذا الإطار، تضيف الاوساط، أن الرئيس بري يركّز في اتصالاته مع حزب الله بغية تنفيس الإحتقان بينه وبين الحزب التقدمي الإشتراكي، على أساس أن هناك أجواء غير مريحة بين الطرفين، إضافة إلى أن ذلك يساعد ويساهم في دفع حزب الله حليفه النائب طلال إرسلان إلى التهدئة، ومن ثم صرف النظر عن المجلس العدلي لتتابع حادثة البساتين من خلال القضاء العسكري، الذي وحتى الآن يسلك طريقه ويحقّق تقدماً في مسار التحقيق وبعدها لكل حادث حديث.
من هذا المنطلق، تخلص المصادر مؤكدة أن الأسبوع الجاري يعتبر استثنائياً في سياق ما صدر عن الحزب التقدمي الإشتراكي من معطيات ومعلومات حول المعطى القضائي إلى دخول العهد بمواجهة مباشرة مع جنبلاط، كذلك ما ستسفر عنه المبادرة التي يحضرها الرئيس بري، مما يبقي الأمور في غاية الدقة، وعليه، تبقى كل الاحتمالات واردة أمام هذه الأجواء التصعيدية والخطيرة في آن.