سجاد أحمر وتشريفات. غادر تمام، فدخل سعد. الحريريون مجدّدا في السرايا. الرئيس و «جماعته» والفريق الامني هنا. حكومة العهد تقلّع ولو أنها تنتظر ثقة نواب الأمة.. المضمونة.
سلاسة في الانتقال من وزارة إلى وزارة، لا شيء ينغّصها سوى غياب «المعلّم». سهيل بوجي ليس هنا. هذا كاف للقول إن الامور ليست على ما يرام.
قبل ان يفتقد وجوده سعد الحريري، «عانى» من غيابه وزراء الحكومة «المتقاعِدة». منذ عام تقريبا، يخوض «القوي» كبرى معاركه وأقساها، وربما الاكثر ايلاما. سيربحها لأن «الايتام» ضائعون بغيابه ولأن السرايا بانتظاره. هي لن تكون بخير وقوية من دونه.
«الساحر» يقاوم المرض ويتصدّى له بإرادة صلبة. هكذا اعتاده الآخرون، وهكذا تعوّد الرجل منذ سنوات على معارك خيضت تكرارا ضده في السياسة، وكان يواجهها دوما بدم بارد وابتسامة متربص وبإدارة ظهر كأنه لا يريد أن يضيّع شيئا من وقته. المدمن على العمل سيعطي الكثير من وقته وجهده وتعبه هذه المرة في مواجهة مرض لا يهزمه إلا الاقوياء كسهيل بوجي.
بدأت رحلة المواجهة من الجامعة الاميركية في بيروت قبل نحو عام ثم الى باريس حيث ينام على فراش أحد مستشفياتها منذ اربعة اشهر تقريبا.
كثيرون يفتقدون «الذي لا يعوّض». ليس سهلا إلصاق رزمة من الالقاب المتناقضة في رجل واحد. هو «الديكتاتور»، و«الحاكم بأمره»، و«المتسلّط»، و«المناور»، و«المتعالي». لكن ايضا الدستوري، القانوني، كبير الخبراء، «اوكسجين» رؤساء الحكومات والوزراء وملك «الطرابيش» والتخريجات.
أمين عام مجلس الوزراء السابق لم يتقاعد من السرايا حتى حين أتى أوان التقاعد.. في نيسان 2015 عيّن مجلس الوزراء فؤاد فليفل امينا عاما خلفا لـ «عبقري» السرايا الذي اختاره رشيد كرامي مستشارا عندما اكتشفه بالصدفة.
تعيين فليفل كان ملزما. فسهيل بوجي ليس عسكريا كي تفتح له أبواب «تأجيل التسريح» من السرايا. وإن كان بعض الوزراء يأخذون عليه ممازحين، بأنه «عسكري» في إدارته لقواعد اللعبة القانونية داخل الحكومة وبينها وبين المؤسسات والدوائر الرسمية كافة.
المهمّ أنه تقاعد في الشكل وبقي «دينامو» السرايا في المضمون والاداء والخبرة. حاجة للجميع ومرشد يصعب الاستغناء عنه. يساعد ويؤازر الخَلف. يقدّم النصائح ويدرّب ويلقّن. لكن يصعب «تعليم» الاخرين ما لا يحملونه في جيناتهم، كما هي حال الأمين العام السابق.. لنقل، لن يكون أحد بعد الان سهيل بوجي.
اختاره تمام سلام بعد التقاعد في 26 نيسان العام الماضي كي يكون مستشاره. توليفة أبقته في قلب اللعبة وهندساتها الحكومية، والحاضر الدائم لجلسات مجلس الوزراء. لكن «خيّاط» حبكات السرايا اصطدم بعد أشهر قليلة بزائر ليس على البال. حمل أثقال المواجهة ومضى في رحلته.
القاضي في مجلس شورى الدولة منذ أن ثبّته الرئيس رفيق الحريري في «سراياه» تحوّل الى علامة فارقة. جاهر دائما بانتماء لا لبس فيه لقريطم وبيت الوسط، لكنه عمل، كما كان يردد دائما، لرئاسة الحكومة لا للزعامات والمرجعيات.
تخطّى بخفّة حربا شُنّت عليه على خلفية عدم قانونية استمراره في منصبه كأمين عام بعد مرور ست سنوات على انتداب قاض خارج المجلس. خسر الجميع المعركة أمامه كما الكثير من المعارك.
خيار رفيق الحريري أراح كل رؤساء الحكومات بعده. كان نقمة ونعمة في الوقت نفسه. يُشتَم و «يُبارَك». من غضِب عليه كان أكثر من احتاج الى «الفتاوى» البوجية.
الداهية غير المتآلف مع الاضواء والكاميرات، «دليل» الحكومات المتعاقبة، شكّل «حالة خاصة» في جمهورية ما بعد الطائف من موقعه في الظل. الان، في هذه اللحظات لا يزال «يعمل» في الظل.
كما كان يداوم في السرايا كأنه في منزله يداوم على فراش المواجهة القاسية. «لو دامت لغيرك لما اتصلت اليك». الزمت رؤساء الحكومات لا أمينها العام. حدث هذا في السرايا… ما يحدث الان أن «القوي» يناضل كي تستمر مسيرته في بيته الثاني الاحبّ الى قلبه وعقله.