أقلّ من شهر يفصل الشركات التي حصلت من مجلس الوزراء على تراخيص لإنتاج الكهرباء حصراً من الطاقة الشمسية، عن موعدها الداهم الأول. فالقرار الذي ورّط الحكومة في آخر جلسة عقدتها قبل إستقالتها في أيار سنة 2022 بنتائج إستدراج لـ»إعلان نوايا» مرّ عليه الزمن، يتيح الإستثمار في محطات الطاقة المتجدّدة لـ11 شركة، قد تصل مجمل قدرتها الإنتاجية الى 165 ميغاواط. وقد حدّد لها 12 شهراً كي تنهي التفاوض مع الفريق الذي طلب مجلس الوزراء من وزير الطاقة تكليفه لمتابعة التنفيذ. وعليه، يفترض في نهاية هذه المفاوضات «إدخال تعديلات مقبولة على عقد شراء الطاقة الأولي، تمهيداً لإصداره بالشكل النهائي والتوقيع عليه، وإلا تصبح التراخيص لاغية». وهذا ما وضع كلّ قرار بإنتاج الطاقة الشمسية لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان في جَيب وزير الطاقة، فأعطاه الصلاحية التامة للموافقة النهائية على العقود، والتوقيع عليها.
القرار الذي حمل الرقم 22، جرى تهريبه في مجلس الوزراء، إستباقاً لإنتهاء مفاعيل القانون 288/2014 الذي أجاز للحكومة منح أذونات وتراخيص الإنتاج إلى حين تشكيل الهيئة الناظمة حتى تاريخ 30 نيسان من العام 2022. وهذا لم يكن وحده ما أثار جدلاً حوله، وإنّما ما اعتبر أيضاً مخالفات لجهة إختيار الشركات من دون إعادة تقييم مالي لعروضها المقدّمة منذ سنة 2017، أو لجهة السعر الأدنى الذي حدّدته الشركات لبيع الطاقة الى مؤسسة كهرباء لبنان، والذي يرى خبراء أنّه مرتفع جداً قياساً إلى الإنخفاض العالمي بأسعار الإنشاءات الخاصة بتوليد الطاقة الشمسية، أو حتى لجهة طريقة تسديد كلفة هذا الإنتاج ومصادر التمويل التي بإمكان مؤسسة كهرباء لبنان أن تؤمنها لذلك.
هذا في وقت تبدو النقاشات حول إمكانية تطبيق القرار مرشّحة للتمدّد إلى أبعد من تاريخ 12 أيار المقبل، إذ إنّ نتائج اللقاءات التي تعقدها الشركات الـ11 مع اللجنة القانونية والفنية المكلّفة من قبل وزير الطاقة للتوصّل الى عقود قابلة للتمويل، لا تعني بالضرورة سهولة الوصول الى مصادر التمويل. ما يضع الشركات بعد إجتياز هذه المهلة أمام تحدّيات كبيرة، خصوصاً أنّ القرار يفرض تأمين التمويل خلال فترة العام التالي لتوقيع العقد النهائي، مع تضمين المهلة إنجاز الدراسات وتحديد الأراضي المطلوبة. وإذا كانت معظم هذه الشركات، كما تؤكّد المصادر المطلعة، قد تمكّنت من إختيار العقارات والجغرافية المناسبة لإنشاء حقول إنتاج الطاقة وفقاً لنطاق عملها الذي حدّد في القرار 22 نفسه، لا يبدو أنّ مسألة التمويل قد سلكت منحى إيجابياً حتى الآن.
بيار خوري
هذا الأمر يؤكده مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري. فعلى رغم الجدل الذي تثيره قانونية هذا المركز الموجود داخل وزارة الطاقة، وصلاحية خوضه مفاوضات باسم الدولة ومؤسساتها، فقد حدّد في قرار مجلس الوزراء كأحد مكوّنات اللجنة الفنية والقانونية التي على وزير الطاقة تكليفها لمتابعة تنفيذ القرار 22. وعليه، إستوضحته «نداء الوطن» عن الإتجاه الذي سلكته المفاوضات مع الشركات حتى الآن، فأكّد أنّ «صورة التفاوض إيجابية ولا عوائق أساسية»، شارحاً أنّ «عقود شراء الطاقة هي «عقود بنك دولي» أي أنها يجب أن تراعي المعايير العالمية المطابقة لمتطلّبات تأمين التمويل. وهذا ما يجعل التفاوض بشأن التعديلات الواجب إدخالها على نموذج العقد الأولي تسير بشكل سلس. ولكن يبقى المهمّ أنّ نصيب المهلة المحدّدة في 12 أيار لإنجاز العقود، حتى لا نضطر للعودة الى مجلس الوزراء لتمديد المهل، أو إلى إلغاء التعاقد مع الشركات».
وإذا شاركنا خوري التفاؤل نفسه، فمعناه أنّ الشركات ستنتقل بعد 12 أيار المقبل إلى المرحلة الثانية لتطبيق القرار 22، وهي مرحلة تأمين شروط نفاد العقد لجهة تأمين المساحات والدراسات، وأيضاً التمويل.
وهنا لا يبدو خوري بنفس التفاؤل، بل يبادر إلى القول: «من دون إتفاق مع صندوق النقد الدولي على خطة للتعافي الإقتصادي، لن يدخل لبنان دولاراً واحداً لتمويل أي مشروع. ومن دون تمويل المشاريع ستبقى العروض المقدمة من الشركات حبراً على ورق»، موضحاً أنه «في دراسات الجدوى الإقتصادية التي تجريها الشركات للمشاريع الكبرى يؤمن المستثمر عادة نسبة 30 بالمئة من التمويل مباشرة، فيما يتم الإستحصال على نسبة الـ70 بالمئة على شكل قروض من مؤسسات مصرفية. وللأسف ليس هناك حتى الآن أي مصرف عالمي أو مؤسسة عالمية مستعدة لتمويل أي مشروع في لبنان من دون توقيع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي أولاً».
التفاوض مع توتال
إشكالية يتابعها مصدر مطلع على هذا الملف، كاشفاً عن مصادر تمويل مختلفة تسعى هذه الشركات إلى تأمينها، من خلال مباشرتها بمفاوضات تجارية مع شركة «توتال» الموجودة في لبنان بمهمة التنقيب عن الغاز. وكشفت هذه المصادر لـ»نداء الوطن» أنه بهدف تقوية ورقة مفاوضاتها مع توتال، عملت الشركات الـ11 الفائزة بتراخيص من مجلس الوزراء، على إنشاء تجمّع في ما بينها، وخاضت أكثر من جولة من النقاشات مع «توتال»، التي تبيّن أنها تسعى لتغيير في شروط عقودها الأولية، وخصوصا لجهة طريقة إستيفاء ثمن الخدمة. وتطالب توتال وفقاً للمصدر بأن يكون تسديد ثمن الخدمة بالدولار الطازج مئة بالمئة، علماً أن قرار مجلس الوزراء نص على دفع 30 بالمئة منه بالليرة اللبنانية، وفقاً لسعر صرف الدولار الأميركي المعتمد عبر منصة صيرفة التابعة لمصرف لبنان، على يتم دفع 70 بالمئة المتبقية بالعملة الاجنبية.
ومن هنا ترى المصادر أنّ هذه النقاشات مع «توتال» تناقض نصّ القرار، سواء لجهة المطالبة بالدولار الطازج بنسبة 100 بالمئة، أو لجهة صلاحية الشركات غير الحاصلة على عقود نهائية حتى الآن في الخوض بنقاشات لنقل تراخيصها غير النهائية أو مشاركتها مع طرف ثالث، خصوصاً أنّ قرار مجلس الوزراء منح كلّاً من هذه الشركات حصراً صلاحية إنتاج الطاقة في المناطق المحدّدة لها، لفترة تشغيلية لا تتعدّى 25 سنة،على أن يتم ربط الإنتاج الكهربائي بشبكة مؤسسة كهرباء لبنان.
وتطرح المصادر تساؤلات عن الجهة التي ستذهب إليها الأرباح التجارية المفترض تحقيقها من خلال هذا الإتفاق مع «توتال» وحول دافع «توتال» لتمويل مشاريع ترفض الجهات المصرفية تمويلها في بلد عالي المخاطر كلبنان. وتستطرد في التساؤل في حال تمّ التوصل إلى إتفاق مع «توتال»، عن المصدر الذي ستلجأ اليه الدولة اللبنانية لتسديد المستحقّات بالدولار الطازج، وخصوصاً في ظل التعثّر المستمر في تطبيق الخطة الإصلاحية التي تمنع الهدر في الشبكة وتؤمّن الجباية العادلة للخدمة، وهل يمكن أن تسدد من أرباح الدولة من بيع الغاز على سبيل المثال؟
حتى لا نبقى في هذه التساؤلات والشكوك الإفتراضية، إستوضحنا خوري عن صحة النقاشات التي تخوضها الشركات مع «توتال»، فأكّد أنّ هذه النقاشات ليست سرّية، بل أعلنت عنها «توتال» عبر موقع LinkedIn. وإذ أشار إلى أنّ اللجنة لا تتدخل في المفاوضات التجارية التي تجريها الشركات، لفت في المقابل «إلى حماسة توتال للإتفاق مع واحد أو أكثر من هذه الشركات في تقديم مشروع نموذجي. ولكن هل ستنجح أم لا، فذلك مرتبط بالنسب التي تستعد الشركات لمشاركة «توتال» فيها. والشركات تبحث عن تحسين موقعها في المفاوضات، خصوصاً أنّ تراخيصها تمتد لـ25 سنة فلماذا تبيعها بخسارة».
ولكن هل يحق للشركات «تجيير» تراخيصها لتوتال؟
بحسب خوري «وفقا للقانون التجاري يحق لتوتال أن تدخل في المشروع ولكن كممول. ولكن إذا كانت توتال ستدخل كشريك في العقد الموقع مع الدولة اللبنانية، بحسب عقد شراء الطاقة الذي يتم التفاوض عليه حالياً هناك شروط محددة. فإذا كانت نسبتها دون الـ10 بالمئة لا داعي لإبلاغ الدولة بذلك، وإذا كانت دون الـ40 بالمئة يجب إبلاغ السلطات المعنية عن إدخال شريك جديد، أما إذا تجاوز الرأسمال الـ60 بالمئة معناها وكأننا نعمل مع شركة جديدة وهذا سيحتاج الى موافقة وزير الطاقة ومجلس الوزراء. ولكن حتى الآن لا تصريح رسمياً من أي شركة تقول أنها تحاول إدخال توتال أو غيرها كشريك». وهذه المعايير وفقاً لخوري تنطبق على الشركات المرخّصة سواء أكان كلّ منها يسعى للإتفاق مع توتال بشكل فردي، أو أنها شكّلت إتحاداً لإتفاق جماعي، متجنّباً التعليق عمّا ذكر حول إنشاء الشركات تجمّعاً في ما بينها، ليبقى السؤال ما إذا كانت وزارة الطاقة مستعدّة للإلتزام بهذه المعايير أم أنها ستخرج أرنباً جديداً لتجاوزها.
بالمقابل قد تتمسك الشركات بـ»توتال» كخشبة خلاص وحيدة حتى الآن للحفاظ على تراخيصها في ظل غياب أي بديل تمويلي آخر. فيما تشكّل مثل هذه الشراكة وفقاً للمصادر، تمدّداً إضافياً للنفوذ الإقتصادي الفرنسي في الإقتصاد اللبناني منذ بدء الأزمة في سنة 2019 مروراً بإنفجار مرفأ بيروت. هذا في وقت لا تتمكّن السلطات اللبنانية حتى الآن من تقديم نموذج ناجح حول أي من مخططاتها وقراراتها الإصلاحية لقطاع الكهرباء.
وهذا ما يطرح تساؤلات عن الأرانب اللاحقة التي ستخرجها وزارة الطاقة من جيبها في ما يتعلق بإنتاج الكهرباء حصراً من الطاقة الشمسية. بعدما فرضت أرنب الترخيص للشركات الـ11 على مجلس الوزراء، مستبقة أيضاً صدور قانون «إنتاج للطاقة المتجددة» يتيح للدولة شراء إنتاج القطاع الخاص من دون تكبيد الخزانة العامة «عمولة» الطرف التجاري، مع أن الحكومة قد أرسلت مشروعاً بهذا الخصوص إلى مجلس النواب.
ويبدو أنّ هذه «الأرانب» ستكون حاجة كبيرة لوزارة الطاقة ولجنتها الفنّية والقانونية، في إستكمال المراحل المؤدّية لتوليد الطاقة. في وقت لا تشيع مجريات الأمور حتى الآن ثقة بكون العقود الموقعة مع الشركات الـ11 قابلة للتنفيذ، كما تقول مصادر معنية بقطاع الكهرباء. فبعد التمويل هناك المهلة المعطاة لربط هذا الإنتاج بشبكة التوزيع، فكيف ستؤمّن مؤسسة كهرباء لبنان وصولها إلى المستهلك من دون تأمين تغذية متواصلة على هذه الشبكة؟ وكيف تؤمّن هذه التغذية المتواصلة إذا كانت المؤسسة حتى الآن عاجزة عن تطبيق خطّتها الإصلاحية للنهوض بقطاع الكهرباء؟
ومن هنا ترى المصادر أنّه كان الأجدر السير أولاً بالخطة الإصلاحية، بما تعنيه من تشكيل للهيئة الناظمة ومنحها صلاحيات إعطاء تراخيص وأذونات إنتاج الطاقة، إلى تنفيذ قرارات وقف الهدر، وتعقب التعدّيات والسرقات على الشبكة ومكافحتها، ومن ثم الإنصراف للبحث في مصادر إنتاج تزيد ساعات التغذية، خصوصاً أن اللبنانيين في بيوتهم سبقوا الدولة في توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية.