مقتل قاسم سليماني يعتبر طياً لصفحة من كتاب الإرهاب الإيراني، فمقتل سليماني، الجنرال الإيراني الذي كان يتنقل بين لبنان والعراق وسوريا، مهندساً للتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية ذات سيادة، بصواريخ أميركية في طريق مطار بغداد قادماً من لبنان فجراً، يطرح أسئلة كثيرة عن سبب وجوده في لبنان، الذي يشهد حراكاً شعبياً رافضاً للطائفية والتبعية التي يتبناها «حزب الله» اللبناني ذراع إيران في لبنان ومحيطه، وعن حجم الدور الذي كان يلعبه سليماني بين لبنان والعراق لكبح جماح الحراك الشعبي في البلدين المنتفضين، وقد عبر المتظاهرون في ساحات العراق عن فرحتهم بمقتل جنرال سليماني قاتل المتظاهرين السلميين.
قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، صنفته الولايات المتحدة كإرهابي معروف ولا يحق لأي مواطن أميركي التعامل معه، ووضع على القائمة التي نشرت في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، هو المسؤول الإيراني عن العبث الإيراني وعن التهديدات وحوادث في المنطقة، ليس آخرها سقوط ضحايا المظاهرات السلمية في ساحات العراق، وحوادث إخرى في العالم، جعلته الهدف الأول للحكومة الأميركية.
مقتل سليماني، الذي يمسك بملفات مهمة في سوريا والعراق ومناطق أخرى، جاء تبريره من وزارة الدفاع الأميركية في بيان يؤكّد أن «الجيش وبناءً على تعليمات الرئيس قتل قاسم سليماني وذلك كإجراءٍ دفاعي حاسم لحماية الموظفين الأميركيين بالخارج»، وقال البيان: «إن سليماني كان يطور بنشاط خططاً للهجوم على الدبلوماسيين الأميركيين وأفراد الخدمة بالعراق وفي جميع أنحاء المنطقة»، وحمله البيان مسؤولية الهجوم على السفارة الأميركية في العراق.
النظام الإيراني وسياسة تطاير شرر الحرب للمنطقة، عبر التصادم مع القوى الكبرى، يتسبب في تهديد السلم الإقليمي والعالمي، خاصة أن إيران على قائمة الدول المتهمة برعاية الإرهاب، وتم إدراجها في محور الشر، حيث سعى النظام إلى تصدير الإرهاب تحت ستار «الثورة» الخمينية إلى دول الجوار وزعزعة السلم المجتمعي، عبر تهييج النعرات الطائفية فيها.
مقتل سليماني يعتبر خسارة فادحة للنظام الإيراني، الذي قد يغامر إلى توسيع قاعدة الاشتباك، وستوكل مهام الانتقام والرد، لأذرع إيران في لبنان كـ«حزب الله» أو «الحشد الشعبي» و«عصائب أهل الحق» في بغداد والحوثيين في اليمن وحتى فصائل «الإخوان».. جميعها احتمالات مفتوحة بعد تغريدات قائد «عصائب أهل الحق» ودعوته «للنفير».
رغم التهديدات بالانتقام لمقتل سليماني والتي غرد بها رئيس مصلحة تشخيص النظام محسن رضائي الذي قال في تغريدة على «تويتر» «سليماني انضمّ إلى إخوانه الشهداء لكنّنا سننتقم له من أميركا شرّ انتقام». ورغم حالة الغضب التي انتشر شرارها بين المسؤولين الإيرانيين لا أعتقد أن النظام الإيراني الغارق في الأزمات الاقتصادية، بعد خسارة أكثر من 200 مليار دولار جراء العقوبات الأميركية الأخيرة، قادر على خوض معركة مواجهة مباشرة مع أميركا، وسيكتفي بالبيانات التي بدأت بالانهمار على وسائل الإعلام وفي الأروقة السياسية الإيرانية والتابعة لها.
الرد الإيراني سيكون بحجم الرد على مقتل مغنية، مجرد تنديدات وغضب كلامي، خاصة أن النظام الإيراني يدرك تماماً حجم المواجهة التي لا قبل له بها عسكرياً، في ظل تفوق جوي وبحري أميركي كبيرين، ووجود ترسانة إيرانية قديمة مهترئة، وضعف في سلاح الجو والدفاعات مما يجعله في حرب خاسرة قبل أن تبدأ.
الرسالة الأميركية في مقتل سليماني واضحة، فقد عبر عنها النائب الجمهوري دوغ كولينز بالقول: «مقتل سليماني رسالة قوية لعدم العبث مع أميركا».