قاد احتلالاً طائفياً وإحلالاً ديموغرافياً
من يُتابع تصريحات ومواقف القادة الإيرانيين إزاء سوريا، غداة إسقاط نظام “الطاغية” بشار الأسد، يستطيع الوقوف على حجم المرارة الممزوجة بالتدليس والنفاق، من بينها تصريح للقائد العام لـ “الحرس الثوري” اللواء حسين سلامي، قال فيه إن قواته ذهبت إلى سوريا “كي لا تدمّر كرامة المسلمين”، في الوقت الذي بدأ يتكشف فيه الكثير من الحقائق، وتظهر روايات مرعبة كانت طي الكتمان، حول الدور الإيراني.
تضاف إلى ما سبقها من جملة وقائع ظهرت خلال السنوات الفائتة، وتتسق في ما بينها لتبيّن أن نظام الملالي لم يُرسل جحافل ميليشياته إلى سوريا، وفي طليعتها “حزب الله”، ولم يتكبّد عناء إنفاق 40 مليار دولار، كرمى الدفاع عن نظام الأسد، بل لتنفيذ احتلال ديني، والقيام بعملية تغيير ديموغرافي قسري وممنهج.
كان قائد “فيلق القدس” آنذاك قاسم سليماني، رأس الحربة في هذا المشروع الذي امتدّ لسنوات، لكنه تداعى في غضون أيام معدودة، بحيث جلب “كوكتيلاً” من الميليشيات الطائفية وقطاع الطرق، قدر عددها بـ 70 ألف رجل. وقاد بنفسه الكثير من المعارك الدموية وجرائم الحرب، أشهرها معركة “القصير” عام 2013، والتي راح ضحيّتها ما يزيد عن 1200 قتيل من المعارضة، وفق أرقام النظام المخلوع، وتخلّلتها عمليات تنكيل واسعة بالمدنيين وتصفية الجرحى. وأدّت إلى تهجير سكّانها الأصليين حتى يومنا هذا، وإحلال “حزب الله” ورهطه مكانهم.
عملية الاحتلال الديني هذه كانت تحظى بغطاء أميركي وموافقة إسرائيلية، بذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها “داعش”. لكن القطبة المخفية هي الدور المحوري الذي لعبه سليماني نفسه لإطلاق “داعش” وتمكين توحّشها، بغية استدراج هذا الغطاء من أجل تنفيذ مشروعه، حسب المعلومات التي كشفت عنها مصادر سياسية كانت محسوبة على دمشق، ولا سيما مع تمرّس طهران في هذه اللعبة منذ هجمات 11 أيلول 2001.
وهذا الاحتلال لم يقف عند حدود الحواضر السنية الطابع، بل شمل أيضاً الساحل السوري، والذي يغلب عليه الطابع العلوي، وكان يعدّ عصب نظام الأسد، إلّا أن غدر الأخير وخداعه للجميع، أشعل غضباً عارماً لدى مشايخ العلويين ونخبهم ووجهائهم، فراحوا يميطون اللثام عن الكثير من الأسرار.
واحد منها، إمعان الملالي في سياسة تأسيس الحوزات الدينية، وهي مدارس دينية تضمّ طلبة العلوم الدينية للمدرسة الفقهية التابعة للمذهب الشيعي “الإثنا عشري”، والحسينيات، وهي قاعات لإقامة مجالس العزاء، خصوصاً في “عاشوراء”، والمحاضرات الدينية، في اللاذقية وطرطوس ومناطق الثقل العلوي.
هذه السياسة لا تجسد احتلالاً دينياً – ثقافياً فحسب، بل تعكس مدى تطرّف الأيديولوجيا الخمينية لجمهورية الملالي، ونظرتها الاستعلائية إزاء كلّ المذاهب الإسلامية الأخرى، وحتى الشيعية منها. التوسّع في إنشاء الحوزات، وما نجم عنه من عمليات تشييع ديني وسياسي، دفع برجال الدين والنخب العلوية إلى الضغط على الأسد، وصولاً إلى إصداره قراراً بإقفال كلّ الحوزات والحسينيات، مستثنياً حوزة واحدة فقط. في موازاة استمرار عمليات الإحلال الديموغرافي في دمشق.
كذلك، تبيّن المصادر حصول الكثير من التجاوزات غير الأخلاقية لزمر الميليشيات الإيرانية، من ضمنها “حزب الله”، أبرزها افتتان قاسم سليماني بزوجة أحد كبار ضباط الجيش، ما دفعه ببساطة إلى قتله من أجل الزواج منها، من دون أن يصدر عن رأس النظام أو كبار رجاله أي ردّ فعل، بل إنهم باركوا له صنيعه.
هذه الحادثة تعبّر بوضوح عن نظرة سليماني ومن خلفه الملالي و”حزب الله”، إلى أن ما يفعلونه في سوريا هو احتلال، أو “فتح” حسب أيديولوجيّتهم، والذي يُبيح لهم الحصول على كلّ ما يُريدونه عنوة. لذلك، فإنهم يساوون في قيمة الشهادة وسمو معانيها، بين من قتل في الحرب مع إسرائيل ومن قتل خلال احتلالهم الديني لسوريا.